مقالات

رسالة إلى قيادات حركة النهضة

نور الدين الغيلوفي

(وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) -ذِكر حكيم-

لا يجب على المرء أن يكون منكم لينصحكم بما يرى ممّا قد لا ترون.. لذلك أرى أنّ من واجبي، من موقعي المواطنيّ، أن أقول لكم ما يلي:

1. لا شيء يستحقّ أن يختم راشد الغنّوشي، وهو من هو لدى أهله الأقرَبين وفي عيون أنصاره وخصومه، ما بقي من أيّام عمره بين جدران السجن بلا تهمة مقنعة.. وبلا أفق مظنون.
ولا شيء يستحقّ أن تُحرَم عائلة علي العريّض منه بعد كلّ السنين التي قضاها خلف القضبان في عهدَي بورقيبة وبن علي.. بلا مصير معلوم.
ولا شيء يستحقّ أن يُسجَن نور الدين البحيري، ولا ذنب له غير كونه نائبَ راشد الغنّوشي رئيس البرلمان الوطنيّ الشرعي في الجمهورية التونسية.. بلا معنى مفهوم.

2. لقد قامت في البلاد ثورة على السجن والسجّانين.. وكنتم دفعتم من حيواتكم مهرا لتلك الثورة التي انتصرت للشعب على دولة لا ترى لها من معنى غير التنكيل بالناس ليقال قويّة، ليسألكم من صار شريكا لكم من المعرَّفين بالثورة “بقدّاش كيلو النضال؟”.. ولم يعد من معنى لأن تنفقوا من رصيدكم المزيد بعد هذا العمر وبعد كلّ الذي قدّمتم.. عُمْلَةُ التضحية لم تعد مجدية.. فإن استمررتم فسيكون الأمر أشبه بالعبث.. ولا أظنّكم ترضون بالعبث.

3. لم ترتكبوا جرما تستحقّون عليه ما يجري عليكم.. كلّ الذي ارتكبتموه رأيٌ لكم في الوطن وفي ما ينبغي أن يكون عليه الوطن، ورأيكم هذا لم يوافق أهواء مسامير صدئة دقّتها فرنسا في قلب البلد قبل أن تتظاهر بمغادرته.
لقد ارتكبتم رأيا لا تراه فرنسا ولا يراه بقاياها فأرسلوا عليكم من لا سيرة له يصنع سيرته بالتنكيل بكم، ولا يرعوي. فمن لا سيرة له لا كسب له من أخلاق تردعه ولا رهان على الإنسان فيه يمنعه.. الدولة، لديه، تبنيها الأحقاد والأحقاد، في عرفه، مقدَّسة.. بنزين أدائه الحقد المقدَّس.. وغاية الحقد الدمار.. لذلك لا نرى غير الدمار في كلّ ركن من أركان الوطن.

4. بعد الثورة التي عرفتها تونس بين ديسمبر 2010 وجانفي 2011 لم يعد مسؤول ذو عقل قادرا على أن ينجز مهامّ بعينها لا تتعدّى التنكيل بالناس. نحن في زمنٍ التنكيلُ بالمجرمين فيه صار محظورا فما ظنّك بمن لا جُرم لهم؟
الدكتاتورية تتغذّى من التنكيل، والتنكيل بالناس صار عصيّا، لذلك فقد باتت الدكتاتورية مستحيلة في المجال التونسي بعد الذي جرى على نظام السابع من نوفمبر أبي الدكتاتورية الذيّ فرّ منها بعد أن أنكرها. لقد جيء بصنيعة بلا سيرة لتنجز المهمة في أشدّ اللحظات بؤسا. والصنيعة لا تصنع شيئا، حتى الدكتاتورية لا تصنعها، إنّما قد تمضي ولكن بعد أن تترك خلفها الخراب.

5. بعيدا عن المماحكات الإيديولوجية الجوفاء والصراعات السياسية العجفاء والمزايدات الفارغة، لقد أديتم الذي عليكم تجاه وطنكم، بطريقتكم استنادا إلى فهمكم، ودفعتم حياتكم مهرا للحرية المانعة ومن أعماركم ثمنا للديمقراطية الجامعة.. ولكنّ القوم قرّروا أن يسيروا عكس التاريخ فينكّلوا بكم لقطع الطريق على الديمقراطية.

6. أيها السادة،
القوى التي تحاربكم لا تحاربكم لأنّكم إسلاميون ولا لأنكم إسلام سياسيّ كما يقولون، فلا معنى لهذا المصطلح اليوم ولا غدا. هم يحاربونكم لأنّكم مقدّمة ممكنة لقاطرة الديمقراطية التي يخشون أن تكون قدرا مقدورا بعد أن قرّرت الشعوب العربية في لحظة صحو أن تلحق بالأمم التي تحترم نفسها. الشعوب العاقلة التي تحترم نفسها لا يمكن أن تبحث عن راعٍ يهشّ عليها بعصاه لتقبل على أعلافها في صمت كما يوهم بعض الوصوليين القادمين من العدم من محدَثي الشأن هؤلاء.
خصومكم لا يحاربونكم لأنكم إسلاميون، بدليل أنّ جميعهم يزايدون عليكم في “الإسلاميّة” بما فيهم اليسار الستالينيّ “المِسْلم” الذي حسُن إسلامُه منذ أن أخفى ستالين خلف ظهره. أليسوا يؤمّمون الدين كما أمّموا الدولة؟

7. مغالطة أوقعوكم فيها حينما قالوا عنكم إنّكم إسلاميون ظلاميّون في زمان لا مكان للدين فيه. ولأنّهم يرون الدين أفيونا للشعوب فقد احتكروه لهم ليوزّعوا جرعات الأفيون على الناس كما يريدون.. لذلك ينكرون نسبتكم للدين “الحنيف” كما يقولون كأنّهم من سلالة الأحناف، وحدهم دون سواهم.

8. إنّهم يخرجونكم من الدين بمنطق تكفيري صريح كما أخرجوكم من الدولة بمنطق تخوينيّ لا لبس فيه.
لن يدَعوكم ولن يتركوا البلد. سينكّلون بكم لينكّلوا به، لأنّهم لا يتقنون غير صنعة الجلّاد.
قد يُخلى سبيل الجميع لتبقوا وحدكم نزلاء معتقلاتهم يمارسون عليكم صنوف الانتقام لأنّكم أفسدتهم عليهم يقينهم بعد أن صرتم بكسبكم عضوا دائما في مجلس الديمقراطيّة.
هؤلاء يفهمون جيدا ما يصنعون وسيعملون، إن تمكّنوا، على معاقبة الشعب الذي لمّا خرج من سجنهم ودخل من باب حريته اختاركم أنتم مرّات عديدة.
الشعب يدفع ثمن كونكم منه وثمن اختياره لكم في غير مناسبة انتخابيّة.

9. هل أدعوكم إلى التخلّي بعد كلّ الذي قدّمتم من أعماركم؟
لست أقول ذلك، ولكنّني أرى أن تنظروا في إمكان انسحابكم من هذا المجال الذي سمّمه خصومكم لأنّكم منه، وسيظلّون ينفثون السموم ما بقيتم أمامهم، أفلا يحسن بكم أن ترتاحوا وتتركوهم للشعب يفعلوا بهم ما شاؤوا إن استطاعوا أو يفعل بهم هو ما يراه مناسبا؟
لا أقول لكم إنّكم صرتم عبئا على البلاد ولكنّني أرى، ممّا ألحظ من إصراركم، أنّكم، دون قصد، تبقون على الأزمة وتمدّون في عمر الانقلاب وتقدّمون ذريعة لهؤلاء الخصوم ليحرقوا البلد بسبب موقفهم منكم. ألا ترون أنّكم سبب وجودهم، فلماذا تصرّون على وجود السموم؟

10. حين أسمع بعد سنتين من الانقلاب على الديمقراطيّة خطابا عدوانيا متواصلا ضدّكم من متنفّذين في السياسة والثقافة والنقابة والإعلام اختاروا أن يكونوا خصوما لكم دون أن يكلّفوا أنفسهم سماعكم أو مراجعة موقفهم بعد أن سقطت الأراجيف التي بنوها حولكم لإدانتكم، لا أرى أفقا للتغيير. سيظلّ الأمر على سوئه ما بقيتم مجالا لهم يشتغلون عليه لنشر البغضاء التي تبقي على النار تأكل الوطن. ومنها يعيشون.

11. لا أملك حلّا أقترحه عليكم، ولكنّني أقول لكم:
فكّروا جيّدا في النتائج المحتملة لهذا الواقع الذي تدحرجت فيه البلاد وتمعّنوا في عواقبه الممكنة فهل ترون له من حلول؟
الذي يتقدّم للناس بخطابات الحلول ويعجز عن تقديم الحلول عليه أن يراجع نفسه. عطب ما في الراحلة أو في البضاعة أو في الطريق.
ربّما اللحظة لا تزال، بعدُ، ليست لحظتكم.

12. البلد أُغلق عليه باب ضاع مفتاحُه، فما الذي بقي لكم لتفيدوه؟
أنقذوا أنفسكم من المحرقة عسى أن ينجوَ الوطن من محرقة تُعَدّ له وقودها أنتم.
فانظروا ماذا ترون.

الأمين البوعزيزي
الأمين البوعزيزي

الأمين البوعزيزي

النهضويون يمثلون العمود الفقري للشارع المدافع عن الديمقراطية

ابصم معكم على عبارة انهم يزدادون حقدا عليكم ليس لأنكم “إسلام سياسي” كما يتذرعون بل لأنكم قمتم بضخ حامل اجتماعيّ عريض في نهر الديمقراطية الذي يسعون إلى ردمه.

فقط اختلف معكم في ما تقترحونه، الانسحاب سيخلق ملاحقات أخرى.
أرى الحل فيما جرى على الأرض ساعة ميلاد مواطنون ضد الانقلاب… ميلاد كتلة تاريخية تدافع عن مشترك وطني عموده الفقري الديمقراطية. ولئن قال الأستاذ المناضل أحمد نجيب الشابي بظرفية التحالف للإطاحة بالانقلاب، فنحن نطرح ما صار أمرا واقعا، الإندراج في سياق جديد عجزنا عنه زمن الصراع ضد الاستبداد وعجزنا عنه زمن التنافس الديمقراطي على السلطة في ظل ديمقراطية غير ناجزة، فأنجزه الأمر الواقع ساعة حدوث الانقلاب وميلاد مواطنون، وما الإجهاز على مواطنون إلا رغبة واعية أو غير واعية من الجميع في استمرار مهزلة التنافي.

النهضويون يمثلون العمود الفقري للشارع المدافع عن الديمقراطية طيلة سنتين، هؤلاء اليوم في تقديري ليسوا قواعد بيعة لحزب يتعثر في الدمقرطة الداخلية وليسوا غنيمة لمن يخرجون منه لبناء أحزاب أخرى تطمع في استجلابهم. هؤلاء اليوم شارع مواطني ديمقراطيّ أدوارهم الانتصار لخيار كتلة تاريخية مقاومة للانقلاب وبديلا ديمقراطيا يتقدم لكسب ثقة التونسيين عبر الصندوق… تقود هذه الكتلة معركة تثبيت الديمقراطية لعقد أو عقدين قادمين وبعدها ليولد من رحمها أحزاب أو تتحول إلى حزب ديمقراطيّ اجتماعي محافظ (حزب الحداثة المتجاوزة لحداثة الاستئصال والعنصرية).

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock