أزمة التّعليم الأساسي أم أزمة “الخيمة” ؟
صالح التيزاوي
انتهت أزمة التّعليم الأساسي بإنهاء الحجب، يوما واحدا، قبل انتهاء المهلة التي حدّدتها الوزارة لتنزيل الأعداد، ومن المنتظر أن ترفع سلطة الإشراف يدها عن حجز الأجور. عرفت الوزارة “كيف تأتي بالأعداد”.!! لقد أمسكت المعلْمين من اليد التي تؤلم “حجب الأجور”، فتحوّل الإحتجاج من احتجاج مطلبي إلى احتجاج على سيف العزل وحجز الأجور. انتهت الأزمة بلا غالب ولا مغلوب بين جامعة الأساسي ووزارة التّربية، التي لم يكن من المتوقّع أن تقدّم عرضا للأساسي افضل من العرض الذي قبلت به جامعة الثانوي، حتّى لا تحرجها أمام القواعد الأستاذيّة. أمّا نقابيْا، فقد انتهت الأزمة بغلبة “نقابة الموالاة” والمشاركة في “رفع التّحدّيات” على نقابة “المسافة النّقديّة”، التي يبدو أنْها أكرهت على قرار رفع الحجب ورضيت من المطالب بإنقاذ من تمسّك بالحجب من التْجويع بانتظار جولة جديدة من النّضال.
أزمة التعليم الأساسي، أزمة مركبّة، فهي من جهة مع سلطة الإشراف التي فشلت في إدارة حوار بنّاء مع الهيكل النّقابي، ثمّ عمدت إلى تسليط سيف العزل وحجز الأجور على من لا يستجيب لمطلب إرجاع الأعداد دون اتّفاق كلّي أو جزئي، وهي في جزء آخر مع “نقابة الحكم” أو “نقابة الموالاة” للسلطة، وفي جزء ثالث مع البيروقراطيّة النّقابيْة التي ورغم المساندة، لا تستطيع أن تذهب بعيدا في الدّفاع عن مطالب المعلّمين وحمايتهم من عواقب التمسّك بقرار الحجب، فهي مقيّدة بمراعاة التّوازنات داخل “الخيمة”. الأزمة في هذا السّياق أزمة “نقابيّة.. نقابيّة” بين شقّين، تعارضت مصالحهما إلى حدّ التّنافي.
أطراف الأزمة، ليسوا من خارج المنظّمة، وإنْما من داخلها. كانوا طوال عشريّة الإنتقال الدّيمقراطي أبطال الخيمة “الصالحين” وفرسانها في مواجهة “أعداء العمل النّقابي الضّالّين”. وكل من لا يتّفق مع قيادات الخيمة ومن لا يبايعها، فهو “ضالّ”، وجبت معاقبته، من أجل أن لا يتجرّأ غيره.
لم تأت الطّعنة من هؤلاء “الأعداء الوهميين” ولكنّها جاءت من “الأبناء الصالحين”، بعد أن تقطّعت بهم المصالح وبات كلّ ذراع نقابي، يأتمر بموقف الحزب، ولم يعد بالإمكان الإجتماع على موقف موحّد. هذا الأمر أضعف الطّبّوبي وضيّق عليه هامش المناورة (رفع الحجب خير دليل على ذلك) لم يعد له ذات الوضع المريح، الذي كان يتمتّع به في عشريّة الإنتقال الديمقراطي، السّلطة تريد تحجيما إلى حدود المربّع الإجتماعي ودون مواقف قصوويّة والرّفاق من حوله منقسمون بين “موالاة” للسّلطة، قدّرت أنْها “اللّحظة التّاريخيّة” وبين “مساندة نقديّة”، لا تريد الذْهاب أبعد من ذلك، مكتفية بالمراقبة والإنتظار.
أزمة المنظمة الشغيلة بكلّ أبعادها وتداعياتها، كشف جملة من الحقائق وأنهت أكاذيب:
- أنهت كذبة أنّهم ديمقراطيّون، لا تشوبهم شائبة.
- أنهت كذبة أنّهم حداثيّون وقوي تقدّميّة، لا مثيل لهم في “برّ تونس والعرب إفريقيا والعالم”…
- ساهم انقلاب الطّبّوبي على الفصل (20) في تغذية “شق الموالاة”، ومن غرائب هذا الشّقّ أنْه ضدّ الإنقلاب على الفصل المذكور، وهو بالكامل وبالمطلق وبكلّ الأيمان المغلّظة مع الفصل (80) وتوابعه.
- تأكّدت حقيقة أنْ العمل النّقابي، لم يكن نقابيّا خالصا منذ قيام الثْورة، كان واجهة للعمل الحزبي والسّياسي.