ما هو أصعب من بيع سقف الفاتيكان
كمال الشارني
والسيدة ميلوني ماشية جاية علينا، تذكرت ما قاله اللاعب الأرجنتيني الأكثر شهرة والقادم من عوالم الفقر: “عندما ذهبت إلي الفاتيكان وجدت البابا يطلب منا أن نصلي للفقراء والجياع، رفعت رأسي فوجدت سقف الكنيسة من الذهب الخالص، اللعنة بيعوا السقف”،
ما لا يعرفه الكثير أن إيطاليا، عندما أرادت، صنعت جزءا من أمجاد تونس الحديثة: أهدتنا مصنع ستير جرزونة وشركة أجيب التي تتونست إلى عجيل شماتة في الفرنسيين وهي التي وقفت وراء أكبر حقل نفط في تونس البرمة وآخر ما أعطتنا حقل القرضاب للطاقة الشمسية، إيطاليا استقبلت الزعيم بورقيبة في مقر إيني استقبال العظماء، لكن هذا نصف الموضوع، نصفه الآخر أن إيطاليا هي أم أمجاد الصناعات الميكانيكية في حوض المتوسط: في سنوات الستين تولت دار فيات التي تحتكم على عشرات المصانع والمشاريع والاختراعات توزيع قوالب سياراتها وتقنياتها على الدول الفقيرة: منحت مصر عام 1960 قوالب فيات 1100 و1200 وفيات 127 صنعت منها سيارات نصر في مصانع حلوان لكن مصر أساءت إدارة نقل التكنولوجيا حتى أفلست في 2009، منحت تركيا فيات 1200 و 1400 فصنعت منها سيارات شاهين التي اكتسحت الشرق وتجاوزت بها الصناعات التركية نسبة 90 بالمئة من الاندماج الصناعي إلى أن انتقلت إلى السيارات الكهربائية تحت اسم “توغ”، أي؟ وتونس؟ عرضت علينا فيات كل نماذج سياراتها للتركيب والتصنيع في تونس فذهبنا إلى فرنسا نشحت لإنشاء الشركة التونسية لصناعة السيارات التي تولت تركيب رينو دون أية برامج اندماج صناعي إلى أن بعنا الشركة قطعا من أجل الأرض العمومية التي نصبت عليها، لا ربحنا نقل التكنولوجيا ولا حافظنا حتى على رأس المال،
بعد ذلك، يمكن مقارنة نقل تكنولوجيا السيارات اليابانية والأمريكية إلى كوريا الجنوبية في بداية الثمانينات، انظروا ماذا فعلوا بها؟ لقد تجاوزوا الجميع في أقل من 25 عاما، كذلك الهند ثم الصين، ليس سحرا، هي فقط برامج تطوير وطنية عملاقة يقف وراءها رجال وطنيون عظماء،
إيطاليا قوة صناعية عظمى وذات ريادة في عدة صناعات وبإمكانك أن تفاوض معها حول نقل التكنولوجيا التي لم تعد مربحة باعتبار كلفتها هناك، حسنا، إما أن نبيع السقف وحراسة البحر لمنع المهاجرين البؤساء من الوصول إلى لمبيدوزا بحجة إنقاذهم من الموت، وإما أن نحسن ترتيب العلاقات، نريد تكنولوجيا، نريد شراكة رابح رابح للتخفيف من هذا الفارق المجحف في مستوى العيش بيننا وبينهم، حسنا، إن ذلك يتطلب شيئا من الكرامة للإنسان وحكما رشيدا وحكاما لا يعتبروننا مشاريع حراقة ويقبلون بالتداول السلمي على السلطة، وهذا أصعب من بيع سقف الفاتيكان،
تركيا “ركحت” عدوها اللدود الإقليمي إمارة أبي ضبي في 50.7 مليار دولار من الصفقات في رمش العين لأنه عمل تم الإعداد له منذ أشهر، يعني قرابة ثلاثة أضعاف الميزانية التونسية، شيء بين القطاع الخاص في البلدين شمل حتى محاولات الإماراتيين احتكار تسيير الموانئ بالتحالف مع الشركات الأمريكية وهو ما أحدث بهتة في أسواق الخدمات في العالم عن حاجة الإماراتيين الملحة لحماية “صلبة” بعد المعركة التي خسروها ضد الأتراك في ليبيا مثلا؟ الواحد يتعلم من أخطائه، الدول الذكية تشتري التكنولوجيا، أما الفقيرة فتنتدب مأجوري الفاغنر،
المهم: أكبر صفقة في مجال المسيرات في تاريخ البشرية في السعودية من نصيب الأتراك، لأي عدو؟ اش يهمك؟ في قطر الصفقات تبدو هادئة وأقل إثارة لمخاوف الجيران لأن كلها في مجال المقاولات المدنية والبحرية، لكنها برشة فلوس للأتراك، ربما أكثر من 50 مليار دولار،
من باب التذكير: الأتراك دخلوا تونس قبل 2011 ووضعوا ثقلا كبيرا للاستثمار فيها في مجال صناعة السيارات وقطع غيارها وبعضهم اضطر للتعامل مع الطرابلسية، كانوا نهمين أيضا للطاقات المتجددة لكن التونسيين لم يعجبهم منها سوى زراعة الشعر والسياحة والأزياء الرياضية والأحذية وملابس النساء الفضفاضة، بعد الثورة عادوا بقوة أكبر فواجهوا أفكارا طريفة: الأتراك كانوا غزاة لتونس وانكشارية على أساس أن فرنسا كانت حررتنا من الاستعمار، هم أيضا إسلام سياسي ورعاة بول البعير والتدين المفرط، تمويل مثل هذه الأفكار كان من أوساط مالية قوية من الخليج انتهت كلها إلى استقبال الأتراك وإعطائهم ما يكفي هذا الوطن للخروج من أزمته والتحول إلى قوى اقتصادية عظمى في حوض المتوسط.
