مقالات

“بهامة” الرذيلة حكام العرب ونخبهم العميلة

أبو يعرب المرزوقي

فسواء كانت الأنظمة تدعي القومية العلمانية أو القومية “الدينية” (بزعم الإسلام عربيا) لن تجد من العرب اليوم من الحكام ومن النخب التابعة لها من يفهم معنى دور القوة اللطيفة في تحديد المنزلة العالمية.

أفضل الوصف باللطيفة لرفضي دلالة المؤنث على الأنوثة في التسمية السائدة لأن مقابل اللطف هو العنف وليس الذكورة. ولست غافلا عن كون القوة العنيفة هي التي تحدد في النهاية المنزلة العالمية.
والقوة العنيفة مستحيلة من دون القوة اللطيفة لكن اللطيفة ممكنة من دون العنيفة لأنها هي التي يمكن بعد أن ترسخ المنزلة الرمزية أن تنقلب إلى عنيفة كما حصل لكل القوى الاستعمارية. لفرض رؤاها.

المشكل في بهامة الحكام العرب ونخبهم أنهم فرطوا في اللطيفة ثم حاولوا فرضها بالعنف لما صاروا اعجز من أن يفرض شيئا على احد بسبب الوضاعة أولا وفساد البضاعة ثانيا: فمن يريد أن يقوم بثورة اجتماعية في مجتمع متسول لا نحتاج لبيان بهامته.

علمت أن قيادة الهند المسلم لما حصل تقسيم الهند بين المسلمين والوثنيين طلبت نخبة الدولة الإسلامية بقسميها غرب الهند وشرقه من العرب أن يمدوهم بالمعلمين لأنهم قرروا جعل العربية لغة رسمية بديلا من الإنجليزية.

ومسلمو الهند مساكين: غاب عنهم أن العرب كانوا قد قرروا جعل العربية مقصورة على الرسميات السياسية بلغة يستحي منها أي مستشرق مبتدئ وحتى أي إعلامي صهيوني تستدعيه الجزيرة: فلا أحد منهم يخشى من انتحار الفراهيدي لو سمعه.

الآن نعلم أن تركيا لا تريد العودة إلى العربية حتى في الخطاب الرسمي للدولة كما كانت الخلافة. لكنها عبرت عما غايته العودة إلى بعض ما كان موجودا حتى منذ الصدر: العربية كانت لغة الدين وعلومه.

أما الطور الثاني حتى لما كانت الدولة قد حققت شرطي السيادة أي تعريب العملة والكلمة فصارت العربية لغة الإدارة والعلوم فإن ذلك لا مطمع فيه إلا إذا استأنف المسلمون دورهم الكوني.

لكن العائق الأول ضد هذا الاستئناف يمثله الحكام العرب ونخبهم العميلة: ذلك أن اكثر الناس تشبثا بالتفتيت الجغرافي حماية لسايكس بيكو وبالتشتيت التاريخي بحثا عن شرعية للتفتيت هم العرب من الماء إلى الماء.

ومن علامات الجهل أنهم يتصورون الأتراك والهنود المسلمين بحاجة إلى استعادة سيطرة ما على العرب لحاجتهم إليهم: فلا أحد منهما محتاج للعرب لأن العرب كلهم من الماء إلى الماء:

  • إما متسولون في الرعاية
  • أو متسولون في الحماية
  • أو متسولون فيهما معا

وحتى من حيث التعداد الديموغرافي فلا وجه للمقارنة بينهم وبين الأتراك لأن كل مستعمرات روسيا -قزوين- تركية وهذا امر جربته بنفسي مرة عندما ساهمت في امتحان بعض الطلبة في الفلسفة وكانوا من هذه البلدان يريدون الالتحاق بالجامعات التركية وكان الامتحان بالإنجليزية حتى استطيع فهمهم: فلاحظت انهم كلهم يتكلمون نفس اللغة التركية والخلافات بينهم من جنس اللهجات عندنا حتى في القطر العربي الواحد.

وهدف أردوغان كما هو معلوم هو توحيد الأتراك قبل أي شيء آخر يعني عكس كل حكام العرب ونخبهم: فكلهم يبحثون عن مزيد التفتيت الجغرافي بما يؤسسونه من التشتيت التاريخي. فيحيون كل النعرات القومية التي تجاوزها الإسلام ومن هنا يتناقص عدد من كانوا يعتبرون عربا ثقافيا فصاروا يعتبرون العربية لغة استعمارية والإسلام إيديولوجيا عربية.

افترض أن رئيس حكومة باكستان لم يعزل أو عاد وطبق ما كان يسعى إليه بجعل تعليم العربية وجوبي ونجح أردوغان بجعلها وجوبية فإن عدد الناطقين بالعربية سيصبح تقريبا مليار. تصور هذه القوة اللطيفة ماذا ستفعل في تحقيق شروط الاستئناف؟

ولو مول العرب تعليم العربية في جنوب شرقي آسيا وفي باكستان التي ليس لها القدرة المادية على ذلك ومثلها إفريقيا -أما تركيا فمستغنية عن تفضلهم- فإن عودة الحضارة الإسلامية التي سعى الغرب لمحوها من العالم سيكون غاية تحقيق شروط الاستئناف.

لكن إذا كان الحاكم العربي ونخبهم جلهم “كعلاف” يجي يقول صحة يقول صداف فلا يمكن لكل ذي عقل ألا يخاف بأن تصبح العربية من جنس المالطية التي نسمعها في الإعلام التونسي خاصة.
فيكون غالب الشباب التونس مضطرا لأن يكون بزناس ليعتاش وإذا لم يستطع هنا يرتمي في البحر حتى يبزنس به من يشرف على التهجير واستفاد حتى من التسفير ماليا وسياسيا: فماليا كانوا يسفرون بمقابل وسياسيا كان ذلك يسهل عليهم اتهام الإسلاميين به.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock