تدوينات تونسية

الغنوشي وفكرة الديمقراطية الإسلامية

عبد القادر الونيسي

في بداية التسعينات بدأ الأتراك يهتمون بكتب راشد الغنوشي والتي تمت ترجمة أغلبها.
زرت تركيا مرات وفي كل مرة أجد نفس الإحتفاء والإعجاب بشخصية راشد الغنوشي الفكرية.
الغنوشي هو صاحب فكرة الديمقراطية الإسلامية والتي لاقت صدا عنيفا من جهتين قدرتا فيها خطرا على مشروعيهما المتضادين.

أولهما التطرف العلماني الإستئصالي الذي رأى فيها عودة الإسلام إلى الشأن العام وهو من ظن أنه أخرجه منه ليتم إختزاله في طقوس تعبدية تقف عند الفرد ولا تتعداه إلى تدبير شؤون المجتمع.
ثانيهما التطرف الديني المحكوم بآليات الولاء للمستبد والذي ينكر حد التفسيق كل ضروب الندية مع الحاكم والموقن أن الحرية والمساواة والديمقراطية صناعة غربية هدفها تفسيخ المجتمع المسلم.

جاءت الفكرة من واجب المسلم البحث عن الحكمة (الحكمة ضالة المسلم أينما وجدها فهو أحق بها) وخاصة أن الديمقراطية بمعنى تشريك المحكوم في إدارة الحكم لها أصل في الإسلام إسمه الشورى.
توسع كتاب “الحريات في الإسلام” خاصة في هذا المعنى حتى إستوى على سوقه وأثنى على هذا الإجتهاد كثير من علماء المسلمين مثل الشيخ القرضاوي والشيخ الحسن الددو والشيخ عبدالله بن بية ومن الغرب عالم الإجتماع الأمريكي الشهير إسبوزيتو والمفكر الفرنسي فرانسوا بيرقا…

نجاح الديمقراطية الإسلامية في دولة كبرى مثل تركيا يعطي أملا للشعوب العربية المقهورة وهي ترى نجاح النموذج الذي ربما يكون هو الخلاص لفقرهم وقهرهم وهوانهم على الناس.

ما لم يدركه راشد الغنوشي صاحب الفكرة عندما واتته الفرصة أن الحكم يستند إلى الشوكة من سويسرا إلى كوريا الشمالية مع الفارق أن القوة في يد الديمقراطية هي لتحقيق الحرية والعدل وفي يد الإستبداد هي لمزيد القهر والفقر.

إختار الشيخ راشد في هذا الأمر منطق الداعية المشفق على الناس والذي يخشى أن يظلم أحد على يده وكان الأولى حضور منطق حماية الثورة الذي يوجب دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر.

أردوغان الذي فهم منطق أولوية الحفاظ على الدولة المزكاة شعبيا ولم يهادن من خرج عليها مازال على رأسها والشعب التركي يثق فيه ويزكيه كل مرة بعد أكثر من عشرين سنة من الحكم لأنه فهم أن الدولة لا تبنى بحسن النوايا لكن بالفطنة والحزم والعدل معا.

أما راشد الغنوشي فرج الله كربه فقد أودعه الطلقاء السجن بعد أن وقفت الدبابة حائلا بينه وبين مجلس التشريع الذي وضعه الشعب على رأسه قبل أن يتم تفكيك الدولة وعودة الإستبداد في أبشع صورة.

لخص عمر بن الخطاب منطق إدارة الدولة فقال: لست بالخب ولا الخب يخدعني.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock