تدوينات تونسية

ألعاب الفقراء

توفيق رمضان

لم تكن لنا ألعاب كثيرة… لم نزر يوما مدن الألعاب.. بل لم نكن نسمع بها حتى.. المدرسة هي ابعد مكان كنا تقصده.. اكثر لعبنا ووسائل لهونا كرة القدم، التي كانت في سنوات الطفولة الأولى كرة من «الشليڨ»،  هي جورب كبير نملؤه بكل قطع الثياب التي لم نعد نحتاجها.. سروال قديم ممزق لا يستر العورة، قميص بلح لونه من كثرة الغسل حتى أصبح كورق شفاف،.. ثم نلفه ونربطه في شكل «كعبة العصبان» ونلعب… ثم أنعمت علينا الحياة بالكرة البلاستيكية.. كنا نشترك في ثمنها، ومتى تخاصمنا حول شرعية هدف أو مخالفة، يكون الحل في قص الكرة بالمقص وكل منا يأخذ جزء.. أو ثقبها بعقب عود الصبّار حتى تنكمش كليمونة ولن تصلح للعب بها.. لا عدل اكثر من ذلك.. لا نبحث عن توافق أو ننتظر حوارا وطنيا أو مجلسا أعلى الطفولة.. لكنّا بعد أيام وتتويجا لمشاورات المصالحة التي تنبع منا اثر جلسة تحت «صفة الهندي»، نشتري أخرى…

Peut être une image de 4 personnes et enfant

من وسائل ترفيهنا كذلك الزربوط ،البيس، خمسة كعبات، العظيم الساري وهذه لعبة نلعبها في ليالي الصيف.. وهي أن يلقي احدنا قطعة عظم وننتشر للبحث عنه في الساحة أمام الحوش ومن يجده هو الفائز، لكنه لن ينال ميدالية أو جائزة بل أحيانا تكون نهاية اللعب طريحة من الأم أو الأب لأنه تأخر كثيرا خارج البيت ونسي نفسه.. وقد يحرم من سماع خرافة الجدة أو الأم كعقوبة تكميلية.

كانت ألعابا بسيطة نشترك فيها مع أبناء الدوّار.. لا تستحق مصروفا كبيرا.. لا رفاهية فيها.. لكن كنا نسعد بها ونضحك.. أجمل ما فيها أنها لا تعترف بالطبقات الاجتماعية.. كافرة بها.. تمارس التوزيع العادل للسعادة والفرح على قلوبنا النقية.. نستمتع بها كلنا.. لا فرق ببن ابن الغني وابن الفقير.. لا نرهق فيها آباءنا بالمال واقتطاع تذاكر اللعب وثمن قوارير المياه والمثلجات.. ولا أمهاتنا بوجوب تحضير لمجة أو فطور نحمله معنا في التنقل حتى لا نأكل من محلات الأكلة الخفيفة.. ومع ذلك لم يصب أحد منا بالتوحد، لم ينتحر طفل من دوارنا أو من القرى المجاورة.. رغم ضيق العيش لم نتعب ولم نكره الحياة.. بل في كل يوم جديد يولد لنا حلم.. نحلم بأن نصبح أنيقين كمعلمينا.. أقوياء كآبائنا.. أغنياء كصاحب الحانوت.. يملك كل ذلك البسكويت والحلوى والمشروبات الغازية.. كنا نحسد أبناءه لظننا انهم يأكلون البشكوطو والياغورت صباحا مساء وبالمجان..

كنا بسطاء اكثر من تعقيدات الحياة.. كنا أبرياء أكبر من جرمها.. كانت ضحكاتنا مطرا يمسح سنين جفافها.
الله ما احلى الطفولة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock