مقالات

افرض، جدلا، أنّ حركة النهضة من الإخوان المسلمين

نور الدين الغيلوفي

#افرض جدلا
– عن الإخوان المسلمين –
افرض، جدلا، أنّ حركة النهضة من الإخوان المسلمين،
بل افرض أنّها غيّرت اسمها فصارت جماعة الإخوان المسلمين بتونس،
أو جماعة الإخوان المسلمين فرع تونس؟
وين المشكل؟
شبيهم الإخوان؟
فصيل عربيّ مسلم له رأي في الدين وفي الحياة، وفي السياسة والحكم.. يخطئ ويصيب مثل جميع البشر.
لماذا كلّ هذا الحقد عليهم ؟
ومن ذا الذي يحقد عليهم؟
هل الجهات التي تكرههم تَفضُلُهم؟
هل هي أحسنُ منهم؟
وفيمَ حسنُها؟
وأين فضلُها؟
ما الذي فعله الإخوان لهؤلاء؟
وما الذي فعله هؤلاء بالإخوان؟
اجلسوا وهاتوا الحساب.
هل مارس الإخوان العنف يوما؟
أين مارسوه؟
وضدّ من؟
ومتى؟
وكيف؟

سيّد قطب
سيّد قطب

وهبهم مارسوه في أربعينات القرن العشرين في مصر في سياق مختلف عن سياقنا ثمّ تخلّوا عنه بعد ذلك..
هل نظلّ نلاحقهم بمثل كلّ هذا الأذى؟
هل نبقى نحقد عليهم بكلّ هذا الإسفاف؟
هل انقلب الإخوان على سلطة منتخبة مرّة بقوّة السلاح؟
انقلاب عمر البشير في السودان سنة 1989 أدانه الإخوان كما أدانه غيرهم.. ولا أحد من القوميين أدان انقلابا عسكريا واحدا، لأنّهم يتنفّسون ريح قدم عسكريّة لا تخرج من حذائها، إلّم يتنفّسوه ينتهوا.

فما الذي يفسّر كلّ هذه الحملة عليهم؟

الراجح، عندي، أنّ كثيرا من مهاجمي حركة الإخوان المسلمين لا يعرفون عنها شيئا ولكنّهم يردّدون ما يسمعون لا أكثر.
بعض هؤلاء يمجّدون حركة الإخوان المسلمين في غزّة، وهي من الإخوان، ولكنّهم يهاجمون حركة الإخوان المسلمين في مصر ويلحقون بها كلّ حزب يعجزون عن منازلته في الانتخابات؟
هل تساءل هؤلاء الحاقدون لماذا يفوز الإخوان في كلّ انتخابات ديمقراطية يخوضونها؟
هل يكفي القولُ إنّهم تجّار دين تفسيرًا؟
هل الدين تجارة رائجة على أيّامنا هذه؟
وهل في القول بذلك اعتراف بأنّ الإخوان بارعون في عرض تجارتهم وتسويقها؟
ولماذا لا يشتري هؤلاء بضاعة الإخوان لبيعها ؟
لماذا لا ينافسونهم تجارتهم ما دامت تجارة رابحة؟
لماذا لم تغرهم تجارتهم وقد أغرت ناخبين لهم كثيرين؟
هل معنى ذلك أنّ القوميين، مثلا، هم أذكى من ناخبي الإخوان المسلمين؟
إن كانوا أذكى فلماذا لم يستعملوا ذكاءهم في تسويق تجارتهم ؟
وإن لم يكونوا أذكى فلماذا يتذاكون على خلق الله؟
الحقيقة أنّني أعرف قوميين كثيرين ولكنّني لم أر في أحد منهم ذكاءً لافتا.
يكفيك أن ترى في أحدهم تأليها لحاكم عسكريّ كان نكرة قبل انقلابه ثمّ صار بالحكم رمزا، لتنفي عنه إمكان الذكاء.
لو كان رصيد هؤلاء الأدعياء بين جماهير شعبهم أكبر من رصيد حركة النهضة لما حرّضوا عليها كلَّ هذا التحريض؟
ولكي يبرّروا منطقهم الاستئصالي ضدّ فصيل وطني له امتداد جماهيري، لا يحلمون به بين شعبهم، فهم ينسبونه إلى الإخوان المسلمين.

الغريب أنّنا أمام قاتل وقتيل: جمال عبد الناصر هو القاتل،
وسيّد قطب هو القتيل،
فكيف لعاقل أن يتبنّى رواية القاتل ويستمرّ في إدانة القتيل؟
كيف لعاقل أن يتبنّى سردية الحاكم الظالم وينحاز إليه ضدّ المحكوم المظلوم؟
وهب أنّ المحكوم لم يكن مظلوما، فكيف نطمئنّ إلى رواية الذي قتله؟
ورثة القاتل لا يكفيهم قتلُ موروثهم لقتيله، فهم ينكّلون بورثة القتيل.

سيقال إن جماعات متطرّفة خرجت من رحم الإخوان؟
هل تصلح هذه حجّة ؟
إذا كان ابنُك مجرما قاتلا فهل وجب قتلُك أنت بسببه؟
اليس أنّه “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” ؟
القوميون العرب أجرموا وكان إجرامهم عابرا للدول التي حكموها، فلماذا ننسى إجرامَهم كأن لم يكن؟
هل نسي التونسيون عملية قفصة التي عملتها مجموعة مسلحة تدعى “الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس” ذات التوجه العروبي انطلقت بها من مدينة قفصة لتروّع الشعب التوسي من جنوبه إلى شماله؟
هل على التونسيين، اليوم، أن يتّهموا منتسبي التيار القومي العربي بجريمة النظام الليبي ضدّ وطنهم؟

مشكلة الإخوان فكرهم مثلا؟

وما فكرهم؟
مَن مِن أعدائهم قرأ أفكارهم؟
من ناقشها فاقنع بنقاشه؟
الحقيقة أنّ الطوائف الإيديولوجية المتكلّسة لا تنقم على الإخوان في ذاتهم، إذ لو كان الإخوان بلا امتداد شعبي يخشونه لما التفتوا إليهم.
نقمة هؤلاء على الديمقراطية وعلى كل فصيل يمكن أن يكون سندا لديمقراطية ممكنة في المجال العربيّ.
هؤلاء الأدعياء تعوّدوا أن يكتفوا بالثرثرة في المقاهي، يحلّون مشاكل الأمّة ويحرّرون الأرض بدخان السجائر ينفخونه في وجه الاستعمار والامبريالية ليعودوا من وجبة الثرثرة إلى بيوتهم فرحين مسرورين وقد تطهّروا من كلّ الغضب وتحقّقت لهم بالدخان الأماني.. وناموا ملء بطونهم عن شواردها.
هؤلاء لا مشكلة لهم ضدّ الإخوان، إنّما هو هوس التقرب إلى الحاكم بالوشاية بهم لديه من أجل الظفر ببعض الفتات يكفيهم لاستمرار أنفاسهم المنتنة.

الإخوان ماضويّون، ساذجون وجبناء وبلا أفق، تنطلي عليهم حيل المحتالين فيسلمون رقابهم، كأنّهم من يوم نشأتهم منذورون للعذاب المقيم يستعذبون “كربلاء”.. قضوا، في مختلِف أقطار العروبة الزائفة، عشرات السنين يعمرون، مظلومين، سجونا لا تعيش أنظمةُ الدولة الوطنية إلا بها.
الإخوان هم الدولة المستحيلة على حدّ عبارة وائل حلّاق، لأنّهم يبحثون عمّا يجب أن يكون في زمان تحكمه الحقيقة (ما هو كائن) ولا يعترف بالقيمة (ما ينبغي أن يكون).. نحن في زمان الدولة الممكنة (دولة الاستبداد) التي لا يستقيم لها أمر إلّا بأن تضع الدولة المستحيلة (دولة العدل والحرية) داخل السجن ليستتبّ لها الأمر ويخفّ عنها الصداع.
الإخوان التحفوا بإزار علي وتركوا معاوية ينهشهم ويكتب بدمائهم تاريخ أمّة لا تصلح لغير ترجمة الوجع.
الإخوان عاجزون وفاشلون، ولكنّ خصومهم هؤلاء مجرد مواعين لدولة القهر الأخيرة في تاريخ البشرية المهدّدة بالانقراض.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock