في وجاهة تفضيل الأمر 117 على الدستور والانتخابات
كمال الشارني
لأول مرة في حياتي ذات الـ 58 عاما، أحس أن أخبار مجلس النواب لا تعنيني ولا تثير فيّ أي حماس: التصويت على الفصل 89 من القانون الداخلي لمجلس 8 بالميا الذي ينص على أن يؤدي رئيس الجمهورية المنتخب اليمين أمام مجلس النواب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين، علاش؟ فاش قام بالله؟ أنا كنت أفضل إدراج روح الأمر 117 في النظام الداخلي لكي يؤدي السادة النواب يمين الولاء أمام السيد الرئيس بعد انتخابه، مش أسهل وأكثر نزاهة؟ على الأقل، حيث البرلمان مجرد وظيفة، مثل التنمية الريفية والحماية المدنية والشباك الموحد والغرف الفتية….
تاريخيا، كانت كل انتخابات مقدمة لكي ينكل الحاكم الأوحد بنا ويطلق علينا المزيد من مليشيات اليقظة الذين يضربون الناس في الشارع بالعصي، أول انتخابات أدركتها واعيا حقا كانت في 1979 وقد سبقها إعلان عفو عام عن الكثير من المعارضين في عيد ميلاد بورقيبة، كان العفو منة ومزية مقابل الصمت والحياد والابتعاد عن الترشح ومنافسة أعوان النظام وقواديه تحت شعار “الكف لا تعاند الاشفة”، والاشفة هي مخرز أو إبرة الإسكافي صانع الأحذية من الجلد، تسمى اليوم القوة الصلبة، ورغم ذلكـ احتاج الحزب الحاكم إلى إلغاء 55 ألف ورقة تصويت لكي يفوز بنسبة 98 بالمئة العظيمة.
بعد عامين، في 1981، حل بورقيبة البرلمان الفلكلوري وأعلن عن انتخابات جديدة ترشح فيها الحزب الحاكم مع اتحاد الشغل (الحكاية قديمة) ضد حركة الاشتراكيين الديمقراطيين والوحدة الشعبية والحزب الشيوعي التونسي وعدد من المستقلين، فازوا بأصبع القابلة، صفر مقاعد، لعبة هي؟
في 1986، نظم بورقيبة انتخابات مسلية تحالف فيها مع اتحاد الأعراف واتحاد الفلاحين والاتحاد النسائي والاتحاد العام التونسي للشغل (الحكاية قديمة جدا)، ورغم انكشاف فضيحة التدليس وانسحاب أغلب مرشحي المعارضة، فقد فاز تحالف الحزب الحاكم، وصدقت عبارة الشاعر الصغير أولاد أحمد “فاز بالملك من كان فيه”.
الانتخابات التي وقعت بعد ذلك في زمن الجنرال الطاغية بن علي، كانت أكثر تسلية، لا هم دعونا إليها ولا نحن ذهبنا، انتخاباتهم وهم أدرى بشؤونهم، لم أدخل في حياتي مكتب اقتراع منذ فتحت عيني على العراك السياسي، لكني شاركت بحماس، إنما دون أية خلفية سياسية في كل الانتخابات منذ ما بعد الثورة، حتى 2021، لم أضع قدمي في مكتب اقتراع أو استفتاء أو أي فلكلور مماثل، حتى أني، من باب النزاهة، كنت أفضل دستورا في شكل الأمر 117، سيكون أكثر نزاهة، بدل برلمان بثمانية بالمئة، أمورهم خويا، برلمانهم.