دار جدي
توفيق رمضان
قبل كل عطلة يبدأ أطفالي في الحديث عن ما سيفعلونه في دار جدهم… ألمح في أعينهم حبا لبيت الجد فقد أصبحت لهم فيه ذكريات يروونها في ما بينهم أو مع أصدقائهم في المدرسة.
أنا أصغر إخوتي «ڨريد العش» كما يقولون.. أو «تمصميصة الكرشة».. لكن لم اكن مدللا… أو لم بكن بيدهم ما يدللونني به… لا لعب أطفال ولا دراجة ولا رحلات.. لا كشافة ولا مصائف… اقصى ما تمتعت به أن العب الكرة في الزقاق اليوم كله… كان أخي الأكبر سيدي هو المفضل عند أمي وأبي… كانت رحمها الله تقول «كلكم ما تجوش في عفسة مصطفى»… كنا سعداء بذلك وحتى إخوتي الأكبر مني لا يشعرون بغيرة من سيدي… الأخ الأكبر هو الأب الثاني لذلك نحبه ونرى من الطبيعي أن ينال هذه المكانة عند أبي وأمي.
كنت طفلا ليس له بيت جد يزوره في العطل ونهايات الأسبوع… لم ادرك جدا ولا جدة من ناحية الأب أو الأم… كنت احسد الأطفال عندما يقولون سنزور بيت جدي الليلة… أو عندما يأتي احدهم ليقول البارحة بتنا في دار جدي… الم يقولوا «ما أعز من الولد كان ولد الولد»… كم وددت لو كان لي جدا ألوذ به واهرب إليه إن فعلت شيئا موجب «لطريحة» من أبي أو أمي… جدة تكرمني وتعطيني ما لذ وطاب، تخبئ لي الحلوى في صندوقها الخشبي أو حتى في «خبنتها» ويوم ازورها تعطيني إياها… جدة تسلق لي بيضة في البراد المملوء بالماء فوق الكانون .. لأكلها بالزيت مع «جلف كسرة متاع امس»… جدة لا تعرف المقرونة بالصالصة أو الطاجين أو القاطو أو المصلي، الكمونية…الخ… جدة لا تعلم من الأكلات غير الكسكسي، الملثوث، خبز الطايونة، كسرة الغناي والشكشوكة… جدة من زمن قبل بروز برامج الطبخ والقنوات الفضائية… جدة من زمن «النوّالة» لا زمن الكوجينة.
حلمت بجد أزروه في عبد الأضحى يشوي لي اللحم ويمدني بقطعة من الكبدة، يضحك ملئ شدقيه من إجاباتي على أسئلته حول المدرسة والمعلمين وكيف اقلد مشية عمي ورقصة خالتي… حلمت بجد يعطيني مهبة العيد لأزيدها للمبلغ الذي أخذته من والدي… واشتري ما أريده واشتهيه.
تمنيت بيت جد أمامه شجرة صفصاف كبيرة مربوط الى جذعها كلب ضخم يخافه كل أهل الدوار ويخشون المرور قريبا منه لكني لا أخافه واذهب إليه امسح على ظهره واحس نفسي بطلا قوميا أمام الصبية… «كلب جدي رايمني»… ألم يقولوا أن الكلاب على قلوب أصحابها… فان احبك أهل البيت حتى كلابهم ترومك وترحب بك بذيولها إن زرتهم.
لذلك احرص على أن تكون لأطفالي ذكريات في بيت جدهم ليجدوا ما يكتبونه يوم يتملكهم الحنين.