مقالات

لماذا أحيل الموقوفون أخيرا بموجب القانون الخاص المتعلق بالإرهاب وليس القانون العام ؟

عبد السلام الككلي

الإيقافات الأخيرة بحسب شهادات المحامين كانت جلها بموجب القانون عدد 26 لسنة 2015 مؤرخ في 7 أوت 2015 و يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال رغم أن التهمة التي أوقفوا بموجبها بحسب المحامين أيضا تخضع إلى القانون العام فجريمة «التآمر على أمن الدولة» جريمة مدرجة بالمجلة الجزائية وكان من المفروض أن تخضع الإيقافات للفصول 63 و 64 و 72 من المجلة الجزائية.

وهو ما أكده المحامي عبد العزيز المسعودي الذي قال في تصريح إعلامي «إن المنحى الذي اتخذته النيابة العموميّة في تكييف هذه القضية جعل منها قضية ذات صبغة إرهابية، إلا أن تهمة التآمر على أمن الدولة هي تهمة جزائية لا تخضع لقانون الإرهاب، ويجب أن تنظر فيها المحكمة العدلية» حسب تقديره.

فلماذا لجأت النيابة إلى قانون الإرهاب في جل الإيقافات الأخيرة ؟

لنفهم هذا اللجوء من المفيد أن نميز بين إجراء الاحتفاظ في القضايا التي تخضع للقانون الجنائي العام والقضايا ذات الصبغة الإرهابية التي تخضع لقانون خاص ؟..

الاحتفاظ في الجرائم المحكومة بالقانون الجزائي العام

ينص الفصل 13 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية على انه:

في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث، وفي ماعدا ما وقع استثناؤه بنص خاص، لا يجوز لمأموري الضابطة العدلية المبينين بالعددين 3 و4 من الفصل 10 ولو في حالة التلبس بالجناية أو بالجنحة ولا لمأموري الضابطة العدلية من أعوان الديوانة في نطاق ما تخوله لهم مجلة الديوانة الاحتفاظ بذي الشبهة، إلا بعد أن يأذن لهم وكيل الجمهورية بذلك، ولمدة لا تتجاوز ثمانية وأربعين ساعة، ويتم الإذن بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا.

أما في المخالفات المتلبس بها فلا يجوز الاحتفاظ بذي الشبهة إلا المدة اللازمة لأخذ أقواله على ألا تتجاوز مدة الاحتفاظ أربعة وعشرين ساعة، وبعد أن يأذن بذلك وكيل الجمهورية بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا.

وعلى مأمور الضابطة العدلية بعد انقضاء المدة المذكورة عرض المحتفظ به مصحوبا بملف البحث على وكيل الجمهورية الذي يتوجب عليه سماعه حينا.

ويمكن لوكيل الجمهورية التمديد كتابيا في أجل الاحتفاظ مرة واحدة فقط لمدة أربعة وعشرين ساعة في مادة الجنح وثمانية وأربعين ساعة في مادة الجنايات، ويكون ذلك بمقتضى قرار معلل يتضمن الأسانيد القانونية والواقعية التي تبرره.

الاحتفاظ المحكوم بالقانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 مؤرخ في 7 أوت 2015 يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال

الفصـل 38 – يباشر مأمورو الضابطة العدلية بدائرة المحكمة الابتدائية بتونس المكلفون بمعاينة الجرائم الإرهابية وظائفهم بكامل تراب الجمهورية دون التقيد بقواعد توزيع الاختصاص الترابي. ويباشر مأمورو الضابطة العدلية العسكرية وظائفهم المتعلقة بمعاينة الجرائم الإرهابية.

الفصـل 39 – على مأموري الضابطة العدلية إعلام وكيل الجمهورية الراجعين إليه بالنظر فورا بالجرائم الإرهابية التي بلغهم العلم بها. ولا يمكنهم الاحتفاظ بذي الشبهة لمدة تتجاوز خمسة أيام.

كما يتعين عليهم إعلام السلط المعنية فورا إذا كان ذو الشبهة من أعوان القوات المسلحة أو من أعوان قوات الأمن الداخلي أو من أعوان الديوانة.

ويجب على وكلاء الجمهورية لدى المحاكم الابتدائية إنهاء الإعلام المشار إليها فورا إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس لتقرير مآلها

الفصل 40

لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس وحده التمديد كتابيا في أجل الاحتفاظ مرتين ولنفس المدة المنصوص عليها بالفصل 39 من هذا القانون، ويكون ذلك بمقتضى قرار معلل يتضمن الأسانيد الواقعية والقانونية التي تبرره. وهكذا يمكن أن تصل مدة الاحتفاظ الى 15 يوما.

الحق في المحامي

قال المحامي، نزار عياد، إنه قد «تم منعه من زيارة موكله، الناشط السياسي، خيام التركي في مقر فرقة الأبحاث ببوشوشة، على الرغم من انقضاء 48 ساعة على إيقافه».

وأضاف في تصريح لمراسل «الجوهرة أف أم» أن «القانون يسمح للمحامي بالاطلاع على ملف القضية مع انقضاء 48 ساعة من الإيقاف»، معتبرا ما حصل بـ «الخرق للقانون».

لا يوجد تقييد في حق الشخص في اختيار محاميه إلا لأسباب جوهرية تتعلق بالأمن الوطني، ولا يجوز، في أي حال من الأحوال، التدخل في الحق في الاستعانة بمحام مستقل وكفؤ وفعال، غير أن قانون الإرهاب يضع قيدا على هذا الحق الذي كفله القانون لكل ذي شبهة بموجب أحكام القانون عدد 5 لسنة 2016 مؤرخ في 16 فيفري 2016 المتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام مجلة الإجراءات الجزائية، واللذين تضمنا أنه لا يسمح للمحامي بزيارة ذي الشبهة ومقابلته وحضور سماعه أو مكافحته بغيره أو الاطلاع على أوراق القضية في القضايا ذات الطابع الإرهابي على ألا تتجاوز مدة المنع ثمانية وأربعين ساعة (48) من تاريخ الاحتفاظ ويضيف الفصل 57 من هذا القانون انه على وكيل الجمهورية اتخاذ قرار سابق بهذا المنع.

ويستخلص من هذا ما يلي:

  • يجب أن يكون المنع بقرار قضائي مكتوب.
  • يجب أن يتخذ القرار في بداية الاحتفاظ فقط أي لا يمكن منع الزيارة إلا إذا اتخذ القرار بالتزامن مع اتخاذ قرار الاحتفاظ.
  • لا مجال للمنع في صورة التمديد في الاحتفاظ.
  • مدة نفاذ قرار المنع هو 48 ساعة فقط.
  • قرار المنع غير قابل للتمديد أو التجديد.
  • قرار المنع يتخذ مرة واحدة ومن جهة واحدة وهي وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق.
  • قرار المنع يشترط فيه التعليل وان يكون مرتبطا فقط بـ «ضرورة البحث» التي تخضع للسلطة التقديرية للنيابة العامة أو قاضي التحقيق.

وبحسب ما يتضح من إجراءات الإيقافات الأخيرة وبحسب ما أكده المحامون وطبيعة الإجراء المتبع في الإيقاف الذي باشرته الضابطة العدلية بعد إعلام وكيل الجمهورية انه كان بموجب قانون الإرهاب .

ومن الواضح أن النيابة تصرفت في إجراءات الاحتفاظ والمنع من المحامي لمدة 48 ساعة بموجب قانون الإرهاب بما يمكن التحقيق من أن يتحرر من الإجراء العادي المتبع مع إيقاف ذي الشبهة في قضايا الحق العام والاستناد في ذلك الى الإجراء الخاص المتعلق بالقضايا ذات الصبغة الإرهابية كما هو مبين أعلاه.. هذا بالإضافة إلى كل الخروقات التي ارتكبت في عملية الإيقاف وخاصة في حالة المحاميين نورالدين البحيري ولزهر العكرمي حيث كان إجراء الإيقاف يستوجب إعلام رئيس الفرع الجهوي المختص بذلك حينا. ويحال المحامي وجوبا من طرف الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف على قاضي التحقيق الذي يتولى بحثه في موضوع التتبع بحضور رئيس الفرع المختص أو من ينيبه للغرض… بالإضافة إلى كل ما حدث من ترهيب لأهل الموقوفين والاعتداء عليهم بالعنف بحسب ما أفادت به زوجة البحيري للإعلام إذ قالت المحامية سعيدة العكرمي الثلاثاء 14 فيفري 2023، في تصريح إذاعي أنه تم تطويق كامل الحي الذي يقطنون به. وتم في البداية إيقاف ابنها وقام عدد من الأشخاص الذين أكدوا أنهم أمنيون بالاعتداء عليهم وافتكاك جميع هواتفهم. وقالت العكرمي «عشنا حالة من الرعب وتم الاعتداء علينا وافتكاك هواتفنا وتم تفتيش منزلنا رغم أنني محامية والقانون ينص على ضرورة حضور رئيس فرع هيئة المحامين أو عضو منها لإجراء عملية التفتيش». وشددت العكرمي على أن عملية القبض على زوجها تواصلت لمدة ساعة ونصف وبعد الانتهاء من هذه العملية تم إطلاق سراح ابنها. كما أبرزت أنه إلى الآن لا تعرف مكان زوجها والجهة التي ألقت عليه القبض رغم أن القانون ينص على ضرورة إعلام العائلة وقالت إنها شعرت بأنها «تعيش في اللادولة».

فعلا هل مازال بالإمكان الحديث عن دولة ومؤسسات في تونس ؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock