فتوى للجوعان
صالح التيزاوي
من مقدّمة إخباريّة تتحدّث عن معاناة المواطن في رحلة البحث اليومي عن الحليب إلى خلاصة، لا علاقة لها بالمقدّمة، تقول بأنّ الحليب نصف الدّسم والأكثر استهلاكا في تونس، مادّة لبنيّة، غير نافعة للكبار وتسبّب الأمراض!! هكذا ورد في نشرة إخباريّة وفي ساعة الذّروة!! الكبار وقد حلّت مشكلتهم بصفة “علميّة” ومن الجذور .. ولكن ماذا عن الصّغار؟! ماذا يشربون ؟ كامل الدّسم؟!.. إذا سلّمنا أنّه موجود، فهو باهظ الثّمن. وإذا سلّمنا بصحّة الفتوى واعتبرناها “تثقيفا صحّيّا”، فهل من اللازم أن تكون في نشرة إخباريّة؟ وهل من المقبول أن تكون وقت الأزمة؟ ثمّ أليس من المنطقي أن يقدّم الرّاي العلمي مختصّون؟
“فتوى نصف الدّسم” تصبّ باتجاه إنكار الأزمة او التّقليل من شأنها وصرف النّاس عن رحلة البحث اليومي عن الحليب. أخطر ما فيها، انعكاسها السّلبي على الفلّاح ومنظومة تربية الأبقار وإنتاج الحليب التي تعاني أصلا من أزمات. وفي الوقت الذي يعاني فيه الفلّاح من ارتفاع أسعار العلف، كان من تداعياتها ارتفاع أسعار اللّحوم، تأتي الفتوى لتقول للنّاس، إنّ مادّة الحليب، ضررها اكبر من نفعها؟
بمثل هذا المنطق، يمكن الحديث أيضا عن مضار القهوة والمصبرات جميعها (الطماطم) والسّكّر ضرره بيّن. وهل توجد مادّة أصلا ليس فيها ضرر، خاصّة عند الإفراط في تناولها، فهل الحلّ في تركها؟ مثل هذه الفتاوى وإن بدت مسنودة بالرّاي العلمي فهي تضرّ بالإنتاج الفلاحي كما تضرّ بالأمن الغذائي لتحقيق السّيادة الفعليّة وتحسين الصّادرات، خاصّة في المنتوج الفلاحي في بلد عرف تاريخيّا بخصائصه الفلاحيّة.
أسئلة كثيرة تطرحها الفتوى، لنتبيّن أنّ ضررها اكبر من “تثقيفها الصّحّي”. الفتوى أعادت إلي الأذهان، فتاوي قديمة، مماثلة في ثمانينات القرن الماضي، تقول بأنّ الفول والحمص والدبابش.. تشتمل علي نفس منافع اللّحم”… ما هكذا تعالج الازمات!! تغيّر الزمان ولم تتغيّر العقليّات!!