تدوينات تونسية

لا تشربوا الحليب

نور الدين الغيلوفي 

1. كنّا بمبيت معهد الحامّة الثانوي وكان يشرف عليه القيّم العام الداخليّ.
ولمّا كان الخبز عنصرا رئيسًا في وجبات الطعام الثلاث فإنّ الإدارة ما كانت تمكّننا من الخبز إلّا بعد يوم، ذلك أنّ الخبز إذا كان طازجا كثر استهلاكه، ويقل استهلاك الخبز متى مرّ عليه يوم.. والقيّم العام كان يتعلّم فينا الاقتصاد ويأمرنا بالتقشّف.
كنّا لا نستسيغ الخبز “البايت” فنحتجّ.. ولمّا بلغ احتجاجنا القيّم العام ظهر علينا في خطبة عصماء قال فيها إنّ الخبز الطازج مُضرّ بالصحّة.
وكنّا نجيبه همسًا :
– هاته طازجا ودعنا نمرضْ.

  1. يروى أنّ ضيفا نزل على بخيل فكان صاحب البيت يدفع بالخُضر التي كانت طاغية على الطعام أمام الضيف وهو يقول له:

– كول الخضرة تزيد في النظر.
ولمّا أكثر من قوله ولم يجد الضيف غير الخضر أمامه قال له:
– “أعطيني النعمة وإن شاء الله نعما”.

المذيعة التي جاءت تتحدّث عن مضار الحليب تلعب دور وكيل صاحب بيت بخيل، وفي أحسن حالاتها هي في منزلة قيم عام بمبيت داخليّ في سبعينات القرن الماضي.. ترى في الناس تلاميذ قادمين إليها من البوادي لا يعرفون كوع المدينة من بوعها.
هل من مهامّ مذيعة بالتلفزيون أن تعلّم الناس شروط الصحّة ومضارّ الحليب عليهم؟
هذا الإعلام الركيك كان عنصرا رئيسا هيّأ للانقلاب ومشى في خدمته بعد حدوثه.. ومضى يبرّر جرائمه في تجويع الناس وحرمانهم من شروط حياتهم الدنيا.
وهؤلاء الإعلاميون مبرمَجون على زمن ما قبل الانفجار الإعلامي الذي يشهده العالَم وليس الشعب التونسيّ بمعزل عنه.
هؤلاء الإعلاميون المتعالمون يأكلون خبزهم من جيوب الشعب ولكنّهم جعلوا رزقهم أنّهم يكذبون عليه.
عليهم لعنة الحداثة وما قبلها وما بعدها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock