انتخابات غير مسبوقة بكلّ المقاييس
صالح التيزاوي
باحت صناديق الإقتراع يوم السّابع عشر من ديسمبر للعام 2022 بأسرارها وألقت ما بداخلها وتخلّت عن جملة مرويات بنيت عليها التّدابير الإستثنائيّة وما اعتبره الموالون تصحيح مسار، حيث بلغت نسبة المشاركة حسب فاروق بوعسكر 8,8%. وهي النّسبة الأضعف في سابع انتخابات منذ قيام الثّورة وقي ثاني انتخابات منذ الإعلان عن التّدابير الإستثنائيّة يوم 25 جويلية 2021، بعد الإستفتاء على الدّستور، الذي بلغت نسبة المشاركة فيه 27%.
بعيدا عن ضجيج الأرقام جاءت هذه الإنتخابات مختلفة عن سابقاتها:
- من حيث إنّها تمّت تحت قانون انتخابي جديد(الإنتخاب على الأفراد بدل القائمات) وتحت سقف دستور جديد، دون أن يكون ذلك نتيجة حوار أو توافق.
- ومن حيث إنّها جاءت وسط مقاطعة حزبيّة واسعة، بإستثناء حزبين للموالاة (حركة الشّعب والتّيّار الشّعب).
- ومن حيث إنّها جاءت في سياق أزمة معيشيّة حادّة بسبب فقدان بعض السّلع الأساسية والارتفاع الفاحش للأسعار وحديث عن رفع الدّعم، زاد من حيرة النّاس وغضبهم، إلي جانب تأجيل صندوق النّقد الدّولي النّظر في ملفّ تونس.
لا جدال أنّ تلك الأسباب كانت حتما وراء تدنّي نسب المشاركة غير المسبوقة، ليس في تونس وحسب، بل وفي العالم أيضا. ولاشكّ أنّها فاجأت أنصار المسار قبل خصومه وبدل التّوقّف عندها للمراجعة، راحوا يختلقون المعاذير والتّبريرات التي لا يقبلها عقل وليس فيها منطق، ربّما لأنّهم كانوا يؤمّلون أن لا تقلّ نسب المشاركة في هذه الإنتخابات عن سابقتها في الإستفتاء على الدّستور رغم أنها اعتبرت في حينها ضعيفة، ولو قاربتها لاعتبرت نصرا وشرعيّة ومشروعيّة
لكلّ ما يمكن أن يترتّب عليها.
من بين تلك التبريرات السخيفة، قول بعضهم (باسل ترجمان) أنّ الشّعب التّونسي لم يتعوّد على التّغيير!! فبماذا يفسّر الإقبال الكثيف في أول انتخابات بعد الثٍورة؟ فهل كان الشعب التّونسي متعودا عليها؟ أما رئيس الهيئة فقد ارجع الأمر ألي غياب المال الفاسد.. يبقى أغرب ما يمكن أن تسمع من تبرير قول احدهم (حزبه مشارك في الإنتخابات) إنّ بثّ مقابلة المونديال بين المغرب وكرواتيا، كانت سببا في تدني نسب المشاركة، مع العلم أنّ المقابلة انطلقت مع الساعة الرابعة مساء، بينما الإقبال على صناديق الإقتراع، بدأ بطيئا وضعيفا منذ ساعات الصباح الأولى، منذرا بنتائج صادمة.
بعيدا عن منطق الشّماتة والتّبرير، يبدو جليّا أنّ الشعب، لا هو مع 24 جويلية ولا مع 25 جويلية. الشّعب منشغل عن ذلك كلّه بأحواله الإجتماعيّة والمعيشيّة البائسة والتي باتت تسوء يوما بعد يوم.. اهتمامات النّخب والسّاسة في واد واهتمامات الشّعب في واد آخر، لعلّه “واد غير ذي زرع”، لا سكر فيه ولا حليب، وحديث عن رفع الدّعم، فكيف لهذا الشعب المنهك، أن يهتمّ بالإنتخابات وان ينخرط فيها؟ فجاء العزوف إجراء عقابيّا وتعبيرا مؤلما عن خيبة امل في السّاسة والنّخب.
كان أيضا لافتا عزوف المرأة من حيث المشاركة ترشّحا وتصويتا بسبب القانون الإنتخابي الذي حرمها مكسب التّناصف، احد مكاسب الثورة المجيدة، ومع ذلك سمعنا من تقول “يجب أن نصبر” وراحت تهاجم عشريّة الإنتقال الدّيمقراطي والتي حسب زعمها كانت تهدّد مكاسب المرأة!!
يبقى التّساؤل المشروع، هل يمكن الحديث في ظلّ هذه المشاركة المتدنّيّة، عن شرعيّة ومشروعيّة للنّوّاب الجدد؟
وقد اعتبر احد الصّحفيين أنّ نسبة الأصوات التي يمكن أن يتحصّل عليها النّائب الجديد مخجلة. التّعليق لم يعجب بوعسكر، فذكر أن بعض النّوّاب في المجالس السّابقة فازوا ببعض المئات من الأصوات في إشارة إلى “اكبر البقايا”، وهي مقارنة لا تخلو من بعض الحول، لأنّها أغفلت من فازوا بمقتضى الحاصل الإنتخابي، الذي قد يصل إلي آلاف الأصوات للمقعد الواحد وللمترشّح الواحد. محطّة انتخابيّة أريد لها أن تكون انتقالا تاريخيّا غير مسبوق، فإذا بها تتحوّل إلى أزمة غير مسبوقة، تنضاف إلى سابقاتها. وإذا كان بوعسكر يعتبر نسبة المشاركة “متواضعة” وليست مخجلة، نتساءل متى تكون عنده مخجلة؟