مقالات

بلادة العرب تخرج القطبين من مآزقهما

أبو يعرب المرزوقي 

من يتصور ما حصل في لقاء رئيس الصين مع “القيادات” تعلقت باستراتيجية عربية هدفها التحرر من الهيمنة الأمريكية من حقه أن يحلم. لكني لا اعتقد أن “قيادات” العرب قادرة على الحلم ولا على العلم.

تأويلي الشخصي للقاءات الثلاثة: بين السعودية والصين أولا ثم بين الخليجيين والصين ثانيا ثم بين بعض العرب والصين أخيرا تتجاوز حاجة ظرفية تتعلق بالأول: كيف يدفع الأمير السعودي أمريكا للاعتراف به.
الباقي كله إيهام لا ينطلي على احد: فلا يمكن لأقطار كلها فيها قواعد أمريكية وتعلم أن أنظمتها تدين بوجودها وببقائها لاستراتيجية أمريكا بعيدة المدى همها المحافظة على كل ثروات العرب رهن:

  • خططها أولا
  • وحماية إسرائيل ثانيا
  • وضرورة تخويفهم بإيران ثم بالصين ثانيا وروسيا ثالثا

لإقناعهم بالإبقاء على ما هو حاصل لها بعد من يصدق ذلك يمكن أن يجد عليه أن العرب “استرجلوا” ليتحرروا.

كل ما في الأمر أن العرب بحمق لا مثيل له يكررون سخافات السياسة التي اتبعوها في التقاطب الذي سقط بسقوط السوفيات وسيكرروه في التقاطب الذي يصعد فيه الصينيون.
وكما خرجوا من الأول بخفي حنين فسيخرجون من الثاني من دون خفيه: حفاة عراة كما كانوا قبل أن يمن الله عليهم بالثروات التي تضطرهم لصرفها على تمويل استعمار حماتهم لهم. وتلك هي دلالة القواعد التي يمولونها والتسليح الذي يشرونه ولا يصلح لشيء وإلا لما أخافهم أمثال الحوثيين.

ومن يعتقد أن العرب بدأوا يفكرون في التحرر من هيمنة أمريكا ببديل الصين ولم يفهم غباء هذا العلاج فهو قد بلغ ذروة احتقار العرب لأنه يكرر سخافات حسنين هيكل الاستراتيجية عندما اقترح تعويض الحلف مع روسيا بالحلف مع إيران للصمود أمام إسرائيل لكأن إسرائيل وروسيا ليستا رأسين في نفس الشكارة.
أو لكأن إيران عدو إسرائيل وليست تحاكيها في نفس اللعبة هي تخوفهم من إسرائيل لتحتلهم وإسرائيل تخوفهم منها لتحتلهم: لذلك فهما يتقاسمان أرض العرب وعرضهم.
ويكفي أن يروا ما حل بالهلال واليمن من إيران وما كان الرد عليه في بقية الوطن العربي من إسرائيل. ومن لم ير أن وراء إيران روسيا ووراء إسرائيل أمريكا وأن الصين هي البديل من روسيا وهي مثل أمريكا تحمي إيران وإسرائيل، حماية أمريكا لهما لبلع الحمقى من العرب الذين نكصوا إلى القبلية المتقدمة على الإسلام.

ولا احتاج إلى استدلال طويل يكفي الجواب عن سؤال وحيد: ما علة الحاجة إلى القواعد الأمريكية والعقد الإبراهيمي هل هو حتى يكونوا أحرارا من الهيمنة الغربية أو من الهيمنة الشرقية؟
الحاجة للحاميات والقواعد هو لخوفهم من بعضهم البعض أولا ولخوفهم من شعوبهم ثانيا ومن ثم فلا يمكن أن يدور بخلد أحد أيا منهم فكر في حل ثالث يحرر من الخيار بين تبعيتين:

  • إما إيران ومن ورائها الصين مستقبلا بعد روسيا سابقا.
  • أو إسرائيل ومن ورائها أمريكا مستقبلا بعد إنجلترا التي أحدثت دويلاتهم.

لا أحد منهم يفكر في الحل الثالث الوحيد الذي يمكن أن يعتبر استراتيجية تحرر مثل التي سعت إليها أوروبا التي تقاسمها السوفيات وأمريكا بعد الحرب العالمية وأخرجاها من مستعمراتها ونزعا تسلحها.
لكن أوروبا لا يمكن أن تستعيد قوتها ليكون لها دور مستقل عن أمريكا وهو ما فرض عليها إتمام التفرد بهم بمحاولة إنهاء ما بقي لروسيا من سلطان عليهم بالطاقة والسلاح:

وهو ما يعني أن البديل هو مزيد السيطرة على الخليج بديلا من الطاقة ومزيد تسليم إسرائيل والهند لمنع القطب الصاعد.
والصين تعلم ذلك ولهذه العلة فهي بنفس الخطة الإيرانية تعطي للعرب الكلام وتتودد لإسرائيل للحصول على التقنيات الغربية عن طريق مافياتها.

تجاهل العرب لهذه الحقائق أو جهلهم بها هو الذي يجعلهم ينسون أمرين من يتجاهلهم أو ينساهم لا يمكن أن يعتد برأيه في فهم المقبل من الأيام في تاريخ المعمورة:

  • الأول أن الغرب يخشى الاستئناف الإسلامي اكثر مما يخشى الصين لانه يعلم أن الصين تخشاه مثله ومن ثم فهي اقرب إلى الحلف معه.
  • الثاني أن النخب العربية خاصة والإسلامية التي تعربت أو التي لم تتعرب ما زالوا يؤمنون بالدولة القطرية التي فصلها الغرب حتى تكون عاجزة دون وظائف الدولة الدنيا ناهيك عن وظائفها العليا.

فالعرب جميعا مثلا دخلهم الخام لا يتجاوز ثلاثة تريليونات أي تقريبا دخل أي قطر اوروبي من السبعة الذين كانت لهم امبراطوريات قبل الحرب العالمية الثانية.
لذلك فمهما اشتروا من سلاح ونصبوا من قواعد ومولوا من مرتزقة فعندما يجد الجد ويحتاج الغرب إلى تجميد ما وضعوه في خزائنه وتعريتهم استراتيجيا فهو سيفرض عليهم البقاء مستعمرات ليس غير مباشرة بل مباشرة.

كل ما في الأمر: اللقاء بمستوياته الثلاثة التي سمعنا عن الكثير من الثرثرة حولها لا تحرك ساكنا غربيا لأن كل الحاضرين “راسم تحت الضرسة”.
لو كانت أمريكا تولي أهمية لما حدث لفعلت بمن يتحداها ما فعلته بالشهيد فيصل: لم يخسروا عليه إلا رصاصة من احد الاقرباء.

كفى احتقارا للشعوب:

ما ظلت النخب تخاف من شعوبها وتقبل تخويف إسرائيل لهم بإيران وتخويف إيران لهم من إسرائيل فهم ليسوا أحفاد الفاتحين.
هل معنى هذا أن أتصور العالم كله عدو الإسلام؟ وأنه لا مخرد لنا إلى بالاحتماء بالبعض ضد البعض؟ الجواب طبعا لا. فالعداوة والصداقة ليس ظاهرة نفسية -مل الكره والحقد- إلا عند المتخلفين من الساسة الذين هم من جنس اليسار العربي والقوميين.
عند الساسة القادرين على إدارة الدول هي ما يترتب على الاستفادة من الاحلاف بصورة تناسبية مع العاجل من الأحداث. فمن مصلحة أمريكا أن تتحالف مع المسلمين إذا هم تحالفوا في ما بينهم فصاروا قوة تساعدها على التصدي للصين.
لكن فتاتهم الموجود ما يزال مفيدا خاصة وهي تحتل كل الاقطار والبحار العربية ومن ثم فهي لا تولي أهمية للحلف معهم إلا بشكلهم الحالي الذي يجعلهم هم من يمول ما تريده هي لحماية مصالحة ومصالح إسرائيل.
ونفس الشيء بالنسبة إلى الصين. فهي تطبق نفس السياسة ولكن لحماية حلفيها الإيراني والروسي وهي تستفيد من الفتات العربي مثلا لأنها تعلم أن كرههم لبعضهم أقوى من خوفهم على السيادة: فهم يكتفون بالتسلط على شعوبهم مع كونهم عبيد لمن يحميهم.,

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock