تدوينات تونسية

الأذى الذي لا داعي له

علي بن مكشر 

قال الراوي :
عندما وقع أحمد الصامت هدنة سلام مع الحياة، وجد نفسه في حرب ضروس مع نفسه، فعلم أنه كان يحارب نفسه في ميدان بعيد عنها حتى لا تتهشم. وفهم الآن الآن فقط، لماذا يغامر الكثيرون في القضايا الكبيرة، وينسون مشاكلهم الخاصة، فهم في النهاية، يهربون من مواجهة أنفسهم، والقضايا الصغيرة التي لا تنتهي أبدا…

عندما عاد إلى نفسه، بعد توقيع الهدنة، رغم أنه يصر على تسميتها بالمعاهدة.. معاهدة سلام مع العالم، وجد كوما هائلاً من القش والغبار والصدأ، يختبئ في زاوية مظلمة من الذاكرة، وكلما اقترب منه، إزدادت حروفه إضاءة ولمعانا، وانبعثت الذكريات من تحت الركام، جديدة، بكرا، كأن لم تفض قط.

إنه الآن يخوض حرباً أخرى، ضروسا، لا تقل شراسة، عن معارك الخارج… إن نفسه اللوامة، انتفضت كأشرس ما يكون، لتذكره بكل لحظات السقوط القذرة، وهي تمسك بسوط رهيب، تجلده بلا شفقة، وبلا أدنى رحمه… ثم لا تلبث أن تخمد قليلا، مخلفة شروخا في نفسه، يحاول إخفاءها بما بقي فيه من كبرياء وتعال.

لكن الأمر، لا يقف عند هذه الوجبة، فحالما تختفي تلك الحالة، التي ربما أخفاها بمعطف الأمنيات الخالدة، وجد نفسه مرة أخرى، أمام مشاهد أخرى أكثر إيلاماً مما سبقها..
في زاوية أخرى داكنة، تبدو ملامح كثيرة، لرجال ونساء خذلوه، آذوه، ضحكوا عليه، ثم ضحكوا منه… شر مجاني، ولم يكن له أي داع في حياته المضطربة المضطرمة…

هل تسمعون عن الأذى المجاني ؟ الأذى الذي لا داعي له… طبيعي جدا أن أقول لكم، بأن هناك أذى عادلاً، تماماً كالحرب العادلة… وهل هناك حرب عادلة ؟ نعم هناك حرب عادلة، فهي في أصلها معتد ومعتدى عليه. بكل بساطة.

وبعد زمن طويل، ومحاولات متكررة، لعقد معاهدة سلام مع نفسه، قرر أحمد، أن أقرب طريق إلى ذلك، هو إلغاء معاهدة السلام مع العالم، ومواجهته، وهكذا تصمت معاركه الداخلية إلى الأبد… سأكون متفائلا جدا قال أحمد، وأقول لكم، أن نصف هذا العالم من الأوغاد، الذين يستحقون تماماً، أن تقف في وجوههم، وتقول لهم: أنتم أوغاد، ثم تبصق في وجوههم ولتحرس قفاك وأنت تمضي..

هنا وحدة المعركة، وعوض أن تتجرع المرارة في داخلك، اجعل ذلك الوغد يتجرعها أيضًا، فهو فقط يركبك إلى الأبد، إذا أحنيت له ظهرك مرة، وبقيت تراقب المرجل الذي يغلي بداخلك.. وقبل أن يأتيك، اذهب إليه، وقل له بمليء فيك، يا لك من حقير ووغد وتافه، فأقصى ما يمكنه فعله، هو أن يقتلك، ويريحك من صراعك مع نفسك، ذلك الصراع الذي لا ينتهي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock