مقالات

قانون الانتصار… باختصار…

بشير العبيدي‎ 

#أقولها_وأمضي
نشر موقع “ناشيونال إنترست” (National Interest) تقريرا عن أقوى 5 جيوش في العالم طبقا لمؤشرات تصنيف “غلوبال فاير باور” (Global Firepower) الأميركي للعام 2021، المتخصص في تقييم القوة العسكرية للدول في العالم، وهذه النتيجة: المركز الأول للولايات المتحدة الأمريكية. المركز الثاني لروسيا. المركز الثالث للصين. والمركز الرابع للهند. والمركز الخامس – وهذا الأعجب- لليابان، التي احتلت ترتيب فرنسا، وأزاحتها إلى الخلف.

مع الإيمان الكامل بأن الجيوش وحدها لا تصنع الفارق في الشعوب، وليست معيارا للتمدن ولا للتقدم، لكن الذي يتأمل هذا الترتيب بعمق وموضوعية سيلاحظ بالتأكيد نقاطا ذات دلالة، من بينها:

1 | رأس القائمة للجيوش الأقوى لم يتغير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا معناه أن أحداثا مفصلية في عالم البشر هي التي تسطر بالخط الخشين اتجاه الأحداث والحضارات لفترة طويلة جدا، وأن العمل على الحفاظ على المراكز المتقدمة يتطلب قيادات عظيمة تؤمن بالتفوق والتميز.

2 | أربع حضارات في قارة واحدة تمثل اليوم أقوى الجيوش في العالم، وهي روسيا والصين والهند واليابان، وهي التي تفرض نفسها اليوم بدائل عن الهيمنة الغربية التي استمرت منذ ثلاثة قرون، وهذا له دلالة عميقة للمستقبل. وثلاث من هذه الحضارات كانت خلال الحرب العالمية الثانية زراعية فقيرة معدمة أو محتلة، وحضارة منها وهي اليابانية تم القضاء على قوتها بسلاح نووي، وتم إخضاعها عنوة. ربما يأتي من يقول: لأن اليابان ليس دولة “مسلمة”، وهي نوتة موسيقية من تلك المقطوعة التي تعودنا على سماعها في سيمفونية “الضحية الأبدية”.

3 | لا توجد حضارة ضمن القائمة الكبرى عدد سكانها يقل عن مائة مليون ساكن. وهذا معناه عميق، لأن الأنظمة الوظيفية صغيرة العدد والتي تتنمر وتعادي حضارتها وتستقوي بالآخرين ضد شعوبها، لا مستقبل لها ضمن الكبار، ولو كانت كثيرة المال.

4 | الذين يدينون فكريا بديانة الإحباط ويقولون بأن الغرب هيمن نهائيا على العالم تبين أنهم مخطئون تماما، بدليل أن اليابان تم تدميره وإخضاعه، ونهض في سبعين سنة. والهند كانت محتلة وخاضعة وفقيرة فصارت قوة عظيمة تخشاها الدول، والصين كانت فقيرة معدمة متخلفة، فصارت سيدة الموقف في العالم في نصف قرن فقط.

5 | في جميع الحضارات ذات القوة المهابة، نلاحظ التمسك الشديد بالتقاليد والثقافات المحلية والاعتزاز بالذات حتى لو كان ذلك في شكل عبادة البقر والبشر. بينما الحضارات التي تزعم أنها أفضل من غيرها وأنها أستاذة للعالم، تقهقرت شيئا فشيئا، وتركت مكانها لغيرها. وهذا درس بليغ لمن يرغب في التأمل خارج أسوار السجون المعرفية.

6 | لا يوجد في القائمة دول تعتاش على الزبونية. جميع الدول في رأس القائمة تقودها أنظمة وطنية حتى في صورة كونها مستبدة وطاغية، لكنها تحب أممها، وتجمع شتاتها، وتحرص على تقدمها.

7 | لا حاجة للحضارات الكبرى أن تكون ذات لغة واحدة أو ثقافة واحدة أو دين واحد، لكنها بحاجة للغة مهيمنة وثقافة مهيمنة ودين مهيمن. يكفي أن تكون الشعوب التي تتشكل منها الحضارة أن يكون لها رغبة مشتركة كبرى في العيش المشترك، والمصير المشترك، والأمن القومي المشترك، وهذا مربط الفرس: لا مستقبل للشعوب التي تؤسس وجودها على الأحقاد والبغضاء والتقاتل والتقاطع والقصص الصغرى التي تغذيها السفاهات الأيديولوجية والفكرية المستوردة من وراء البحار.

8 | لا يمكن للحضارات أن تتألق خارج ذاتيتها وخصوصيتها وجغرافيتها حتى تتصالح مع ذاتيتها وخصوصيتها وجغرافيتها. إنها توليفة عظيمة لا تستطيع فهمها تلك العقول المتحجرة التي تعيش في قوقعة الماضي لإنكار الحاضر، أو تحاول مواجهة الحاضر والمستقبل بتكسير قوقعتها التي تحميها من تقلبات عالم … لا يرحم الأغبياء والضعفاء.

9 | الترجمة الصحيحة للذاتية والخصوصية والجغرافية للعرب والمسلمين، هي – وفق وجهة نظري المتواضعة – السير الحثيث في طريق الاستثمار في الإنسان عبر العلم والتقنية والبحث والتعليم والتأهيل والتدريب، في العلوم الصحيحة كما في العلوم الإنسانية على حد سواء، والتخلص من النزاع البدائي المفرغ من كل محتوى، لفائدة التأسيس لامتلاك ناصية العلم والمعرفة والثقافة، واستعادة الطاقات البشرية المهاجرة وتفعيلها في خدمة مشروع مشترك للعيش المشترك. ويمكن تطبيق ذلك في كل مدينة أو قطر أو دولة، يكفي أن يقتنع عدد قليل من الناس أنه بإمكانهم التغيير. يكفي أن نراجع كيف كان الصينيون واليابانيون والهنود قبل نصف قرن، وكيف هم الآن. وأين هم الآن.

لا يمكن أبدا لأي نظام في العالم أن يستثمر في السلاح قبل أن يستثمر في الإنسان الذي سيمسك يوما بذلك السلاح للدفاع عن نفسه.

✍🏽 #بشير_العبيدي | رجب 1442 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تصْنَعُ أمَلًا

فيصل | 22 février 2021 à 9 h 56 min | Étiquettes : أقوى 5 جيوش في العالم, بشير العبيدي | URL : https://wp.me/p7YLHG-isT

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock