Site icon تدوينات

قضية سامي الفهري أمام محكمة التعقيب مجددا: جو فاسد من الشائعات والالتباسات

عبد السلام الككلي

عبد السلام الككلي

عبد السلام الككلي

قال المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين في بيان صادر عنه يوم السبت 30 ماي 2020 انه يتابع المسار الإجرائي لقضايا الرأي العام عموما ومنها قضية الإعلامي سامي الفهري المنشورة أمام محكمة التعقيب إثر الطعن مجددا في بطاقة الإيداع الثانية الصادرة في حقه وفي حق المتصرفة القضائية لشركة «كاكتوس برود» ووكيل شركة «آيت برود» عن دائرة الاتهام بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بمحكمة الاستئناف بتونس يوم 30 جانفي 2020 وانه بلغ الى علمه من خلال ما تم تداوله بعديد المواقع الإلكترونية بتولي السيد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب تعيين القضية موضوع ذلك الطعن للنظر فيه من قبل إحدى الدوائر الجزائية بالمحكمة يوم الثلاثاء 02 جوان 2020 دون إحالتها على نظر الدوائر المجتمعة بغاية حسم كل الخلافات القانونية التي أثيرت بشأنها بين دوائر محكمة التعقيب وبينها وبين محكمة الاستئناف.

سامي الفهري

وبعد أن ذكر بما سبق أن تمسكت به جمعية القضاة صلب بياناتها السابقة الصادرة بتاريخ 10 فيفري 2020 و 09 مارس 2020 من خطورة ما أبان عليه التعاطي القضائي مع هذه القضايا المرتبطة بالمتهمين في قضايا تتعلق بالفساد وتبييض الأموال والتهريب والإرهاب من النافذين سياسيا وماليا وإعلاميا دون بقية القضايا الأخرى من اختلافات والتباسات بلغت حد التناقض في تطبيق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية والمس من مبدأ مساواة الجميع أمام القانون ووحدة النظام الإجرائي الجزائي بما أدخل كثيرا من الغموض والالتباس لدى الرأي العام القضائي وغير القضائي وأضرّ بالثقة العامة في القضاء وأفضى إلى نتائج عكسية تضعف من دور القضاء ونجاعته في مكافحة الفساد والإرهاب كاستحقاقات وطنية ذات أولوية مطلقة فإنه:
عبر على تفاجئه واستغرابه من عدم تفعيل السيد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب لآلية التوحيد القانوني رغم حجم الاختلافات التي أبان عنها التعاطي القضائي في هذه القضايا ذات الأثر الكبير على موقع القضاء وعدم استجابته للآراء والمواقف المتعددة والمؤسَسة المطالبة بتعهيد الدوائر المجتمعة للمحكمة بالنظر في ذلك الطعن طبق ما تخوله أحكام الفصل 275 من مجلة الإجراءات الجزائية.

وجدد تمسكه بضرورة تعهيد الدوائر المجتمعة بمحكمة التعقيب بهذه القضية بوصفها أعلى هيئة قضائية بالمحكمة ولما لقراراتها من إلزامية قانونية ومعنوية ولتركيبتها من خصوصية بوصفها تضم أكفأ القضاة من رؤساء الدوائر التعقيبية وأقدم مستشاريها لحسم الخلافات القائمة بين دوائر محكمة التعقيب بخصوص سير الإجراءات القانونية واختصاص تلك الدوائر بالنظر في بطاقات الإيداع الصادرة عن دوائر الاتهام قبل البت في الأصل وتقديم الحل القضائي الحاسم للنزاع والمبني على القراءة السليمة والمعللة والمطابقة للقانون بشكل يفضي إلى توحيد الاجتهادات وإنهاء كل الخلافات واستعادة الثقة في القضاء وسد جميع منافذ التشكيك فيه.

كما طالب الدائرة التعقيبية المتعهدة بالتخلي عن النظر في القضية وإرجاعها للسيد الرئيس الأول لإحالتها على نظر الدوائر المجتمعة تفعيلا لآليات توحيد الاجتهادات القضائية من أجل التوصل إلى مواقف وآراء تكون مؤسسة تأسيسا قانونيا وفقهيا متينا يساعد على مقبوليتها وعلى تحقيق توحيد تطبيق القانون وعلى استقرار النظام العام الإجرائي.

ودعا إلى ضرورة توفير الظروف المناسبة وتهيئة المناخ السليم لقضاة الدوائر المجتمعة للاضطلاع بمهامهم في كنف استقلالية القرار القضائي وحياديته وبعيدا عن أي ضغوطات من أي جهة كانت.

وللمتنفذين منزلة خاصة
وتأتي مطالبة جمعية القضاة بانعقاد الدوائر المجمعة لمحكمة التعقيب اثر ما ابان عنه التعاطي القضائي مع هذه القضايا من كونها لا تمس سوى ملفات المتنفذين من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال وبعض مسؤولي الدولة الذين تلاحقهم تتبعات من اجل قضايا فساد وغيرها في حين لا تثير قضايا اغلب المتهمين من عموم التونسيين أي اشكالات في تطبيق مجلة الإجراءات اذ تلاقي الطعون في بطاقات الإيداع بالتعقيب في تلك القضايا نتيجة الرفض شكلا لعدم الاختصاص في اتجاه مستقر وخاصة اثر الاختلافات والتباسات التي بلغت حد التناقض في تطبيق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية وخاصة الفصل 258 والمتعلق بطلب تعقيب الأحكام والقرارات الصادرة في الأصل نهائيا كما تتعلق بمدى اختصاص دائرة الاتهام في إصدار بطاقات الإيداع في صورة عدم استئناف النيابة العمومية لقرار قاضي التحقيق ومدى اختصاص محكمة التعقيب بالنظر في الطعن في بطاقات الإيداع الصادرة عن دائرة الاتهام. وتنفيذ بعض القرارات الصادرة عن محكمة التعقيب بنقض قرارات دوائر الاتهام القاضية بإصدار بطاقات إيداع وما ضاعف من الشكوك تواتر صدور قرارات تعقيبية تنقض دون إحالة لقرارات دوائر الاتهام في قضايا تعلقت باستحقاقات مالية كبيرة للدولة.

فمحكمة التعقيب لم تتناقض دوائرها قط في تطبيق الفصل 258 منذ سنوات ومنذ دخول مجلة الإجراءات الجزائية حيز النفاذ الا في مناسبات قليلة مثل قضية نبيل القروي مثلا وفي ظرف 15 يوما لا اكثر ولا اعتقد ان أجيال القضاة وآخرهم قضاة الدائرة التعقيبية التي بتت في الطعن الأول المتعلق بقرار دائرة الاتهام في 23 اوت 2020 وقضت بعدم الاختصاص وأبقت على القروي في السجن و أجيال المحامين والأساتذة الجامعيين كانوا أغبياء في فهم وتطبيق هذا الفصل وما يجيزه لمحكمة التعقيب ومقصرين في تمتيع الموقوفين باختصاص من اختصاصات محكمة القانون… يبدو ان هيئة الدفاع على نبيل القروي وهي أعلى الهيئات أجرا وأكثرها نفاذا في أوساط المال والسياسة من محامين جامعيين خاصة هي التي اهتدت وحدها إلى القراءة الصحيحة لمجلة الإجراءات الجزائية التي عجزت عنها المحكمة عشرات السنين. لا خلاف لنا مع التطور فتلك سنة الحياة والقانون يساير الحياة ولكن من الغريب ان تحدث كل هذه الثورة القانونية بمناسبة قضية نبيل القروي وربما غدا في قضية سامي الفهري.. وفي كل الأحوال فليكن هذا فقه قضاء مستحدث وثري اذ كانت الحرية هي المبدأ والإيقاف هو الاستثناء ولنمتّع الجميع بهذه الثورة ولكننا نعلم انه لكل متهم دائرة واجتهاد، مادامت محكمة التعقيب تقول الشيء وعكسه فلنبيل القروي وأمثاله دائرة واجتهاد ولغيره دائرة واجتهاد اخر.

للأسف الشديد من حق كل متقاض بمثل هذا الأداء غير الموحد بل والمتناقض من محكمة التعقيب أن يحصل له انطباع حول وجود قضاء للسادة وقضاء للعبيد (انظر مقالنا «قرار محكمة التعقيب بالإفراج عن القروي، النقض دون إحالة «تحت السواهي دواهي» اسطرلاب 10 أكتوبر 2019 وموقع تدوينات الرابط»

إن المطالبة بانعقاد الدوائر المجتمعة تتوافق تماما مع النص القانوني وفق الفصل 273 من مجلة الإجراءات الجزائية والذي ينص على ان القرار الذي تصدره محكمة التعقيب بالنقض يرجع القضية للحالة التي كانت عليها قبل الحكم المنقـوض وذلك في حدود ما قبـل من المطاعن. وإذا كان القرار بالنقض مع الإحالة وحكمت محكمة الإحالة بما يخالفه ثم وقع الطعن في هذا الحكم بنفس المطاعن الأولى فإن محكمة التعقيب المتآلفة من دوائرها المجتمعة تتولى فصل الخلاف القائم بينها وبين محكمة الإحالة. وقـرارها في هذا الموضوع يكون واجب الاتباع من طرف محكمة الإحالة الثانية

لقد أدخل كل ذلك كثيرا من الغموض والالتباس لدى الرأي العام القضائي وغير القضائي وأضرّ بالثقة العامة في القضاء وبمبدأ مساواة الكافة أمام القانون وأفضى إلى نتائج عكسية تضعف من دور القضاء ونجاعته في مكافحة الفساد والإرهاب كاستحقاقات وطنية ذات أولوية مطلقة.

جو فاسد من الشائعات والالتباسات

كما تأتي هذه المطالبة المتجددة بانعقاد الدوائر المجتمعة في ظل أخبار وتكهنات انتشرت على الشبكة تؤكد كلها وجود صفقة قريبة بين أطراف كثيرة ومتداخلة من السياسيين والإعلاميين والقضاة والمحامين من اجل إطلاق سراح سامي الفهري في جلسة يوم غد… كما تؤكد هذه الشائعات أن إيقاف برنامج مريم بالقاضي على الحوار التونسي يدخل ضمن هذه الصفقة.. ومهما يكن من أمر هذه الشائعات ومدى استنادها الى وقائع ثابتة فإنها في كل الحالات تتغذى وتنمو وتكبر من جو الالتباس والغموض الذي يعصف بالقضاء التونسي واستقلاليته ومدى تدخل السياسيين والمنتفذين في أحكامه.

و أن الإصرار على عدم تعهيد الدوائر المجمعة يدخل في هذا الإطار اذ يساهم مساهمة كبرى في إسناد هذه الشائعات والتي تحوم كلها حول وجود معابر «كولوارات» داخل كل المحاكم وفي كل درجات التقاضي وخاصة في محكمة التعقيب هذه المعابر السرية التي تؤدي إلى الحصول على أحكام او قرارات قضائية في كل قضية حالة بحالة وليس بصفة موحدة وذلك بحسب ما تسفر عنه الصفقات والمقايضات وعمليات البيع والشراء ينخرط فيها الجميع من اجل إفساد القضاء وتلويث الحياة السياسية وتشويه الحياة العامة في تونس.

Exit mobile version