Site icon تدوينات

قرار محكمة التعقيب بالإفراج عن القروي، النقض دون إحالة تحت السواهي دواهي

عبد السلام الككلي

عبد السلام الككلي

عبد السلام الككلي 

سنحاول هنا في عجالة وبتبسيط شديد أن نفهم معا قرار محكمة التعقيب الصادر يوم أمس والقاضي بالإفراج عن نبيل القروي

اعلم أولا أن محكمة التعقيب نظرت يوم الجمعة الموافق لـ13 سبتمبر الماضي، في الطعن الذي تقدمت به هيئة الدفاع عن نبيل القروي في قرار دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس الصادرة بتاريخ 23 أوت المنقضي ورفضت الطعن لعدم الاختصاص.

اعلم أن دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس المجتمعة يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 قضت برفض مطلب الإفراج عن المترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها نبيل القروي..
نبدأ الان بقراءة طالع القرار الصادر يوم أمس سنلاحظ أن محامي نبيل القروي طلب نقض قرار دائرة الاتهام الصادر بتاريخ 1 أكتوبر الجاري….
ابحث عن مناقشة الدائرة التعقيبية لهذا القرار.. فستجدها ناقشت القرار واعتبرت أنه بخلاف ما ذهب إليه قاضي التحقيق وما أيدته فيه دائرة الاتهام 1 أكتوبر من كونه غير مختص بالبت في مطلب الإفراج الأخير الذي قدم اليه، فخالفت هذا الرأي وأكدت أنه هو صاحب الاختصاص الأصلي وأنه لا وجاهة لما تمسك به من مبدأ توازي الصيغ.

وهو ما يجب أن يترتب عنه منطقا أن تنقض المحكمة قرار دائرة الاتهام 1 أكتوبر الذي ساير قاضي التحقيق في القول بعدم اختصاصه لترجع اليها الملف حتى تتولى بدورها مراجعة موقفها الذي ساند موقف قاضي التحقيق في عدم الاختصاص فتعتبره مختصا وتعيد إليه الملف ليتولى بصفته صاحب الاختصاص الأصلي النظر من جديد في مطلب الإفراج ولكنها بعد هذا التحليل المستفيض وهو محل نقاش قفزت دون أي منطق ولا مسوغ إجرائي للقول بأن قرار 23 اوت هو مثار النزاع الأصلي وستجد نقاشا في الأصل يتعلق بقرار دائرة الاتهام الصادر بتاريخ 23 أوت.. وهو قرار لم يتسلط عليه تعقيب المحامين.. فالمحامون طلبوا نقض قرار دائرة الاتهام الصادر يوم 1 أكتوبر لا نقض القرار الصادر يوم 23 أوت.

نبيل القروي

في خلاصة معناها محكمة التعقيب تعهدت أمس بالطعن في قرار دائرة الاتهام في 1 أكتوبر 2019، فقفزت عليه لتصل إلى قرار دائرة الاتهام في 23 أوت 2019، لتنتهي إلى نقض القرار المطعون فيه دون إحالة أي دون ارجاع الملف الى دائرة الاتهام (قرار 1 اكتوبر) تأسيسا على إفراط قرار 23 أوت في السلطة.
معناها ذهبت الى تاجر لتطلب منه هريسة فقال لك عفوا لدي طماطم وأسهب في الحديث عن مضار الهريسة.
معناها تطلب من طالب في الطب أن يحدثك عن العين فيقول لك العين بلا شك عضو مهم في جسم الإنسان ولكن أفضل أن أحدثك في القلب فهو أهم منها.
طيب اذا كان من اختصاص محكمة التعقيب النظر في الأصل والدفاع عن اختصاصها في مراقبة التطبيق السليم للقانون والدفاع عن مبدأ الحرية وهو بلا شك أمر عظيم فالحرية هي المبدأ الذي ندافع عنه كلنا فلماذا رفضت الطعن سابقا في قرار دائرة الاتهام وذلك لعدم الاختصاص تطبيقا للفصل 258.
اعلم أن تطبيق الفصل 258 هو اتجاه مستقر في فقه القضاء التونسي.
فمحكمة التعقيب لم تتناقض دوائرها قط في تطبيق هذا الفصل منذ سنوات ومنذ دخول مجلة الإجراءات الجزائية حيز النفاذ إلا في مناسبات قليلة وبمناسبة هذه القضية وشبيهاتها. ولا اعتقد ان أجيال القضاة واخرهم قضاة الدائرة التعقيبية التي بتت في الطعن الأول المتعلق بقرار دائرة الاتهام 23 أوت وقضت بعدم الاختصاص واجيال المحامين والأساتذة الجامعيين كانوا أغبياء في فهم وتطبيق هذا الفصل وما يجيزه لمحكمة التعقيب ومقصرين في تمتيع الموقوفين بإختصاص من اختصاصات محكمة القانون… يبدو أن هيئة الدفاع على نبيل القروي هي التي اهتدت وحدها إلى القراءة الصحيحة لمجلة الإجراءات الجزائية التي عجزت عنها المحكمة عشرات السنين. لا خلاف لنا مع التطور فتلك سنة الحياة والقانون يساير الحياة ولكن من الغريب أن تحدث كل هذه الثورة القانونية بمناسبة قضية نبيل القروي.. وفي كل الأحوال فليكن هذا فقه قضاء مستحدث وثري إذ فعلا الحرية هي المبدأ والايقاف هو الاستثناء ولنمتع الجميع بهذه الثورة. ولكننا نعلم انه لكل متهم دائرة واجتهاد، مادامت محكمة التعقيب تقول الشيء وعكسه فلنبيل القروي وأمثاله دائرة واجتهاد ولغيره دائرة واجتهاد آخر. للأسف الشديد من حق كل متقاض بمثل هذا الأداء غير الموحد بل والمتناقض من محكمة التعقيب أن يحصل له انطباع حول وجود قضاء للسادة وقضاء »للعبيد».
من فضلكم قولوا لنا رأيا واحدا يا قضاة التعقيب هل انتم مختصون او غير مختصين ولا تحدثونا عن مبدأ الحرية او التزموا به مع الفقراء والزوالة ؟
محكمة توحيد القانون تقول لنا مرة أنها مختصة ومرة أخرى سابقة أنها غير مختصة وترفض مرة الخوض في الأصل ثم يظهر لها انه من اختصاصها النظر في الأصل لاتصال الأمر بحرية الفرد.. هل هي اجتهادات دوائر مختلفة.. ؟
يجب أن نلاحظ هنا أنه يوجد مبدأ أساسي في القانون وهو مبدأ المساواة خاصة في الإجراءات الذي لا يحتمل أن تطبق من كل دائرة بطريقة معينة خاصة في محكمة التعقيب ذات الدور التوحيدي للقانون في الإجراءات.
يا سبحان الله.. كم يجتهد القضاة في الدفاع عن الحرية عندما يعني الأمر اللصوص الكبار ومحترفي الجريمة الانيقة.
هل يوجد مختص واحد في القانون لا يعرف أنه كلما قررت محكمة التعقيب النقض دون إحالة فانه يجب ان نتوقف… فقد يكون تحت السواهي دواهي « … ».
النقض بدون إحالة ينهي النزاع… قص الراس تنشف العروق.

أخيرا

محكمة التعقيب التي اعتبر بعض المعلقين قرارها ثوريا ومرجعيا في القانون لما أبطلت بطاقة الإيداع الصادرة عن دائرة الاتهام في 23 أوت 2019 بناء على أن إصدار تلك البطاقة هو تجاوز للسلطة من دائرة الاتهام قد وقعت هي نفسها في سقطة قانونية فاضحة لأنها هي نفسها تجاوزت حدود السلطة في قرارها ذلك نظرا لأن المعروض عليها كان قرار رفض السراح الذي رفض في 1 أكتوبر 2019 وليس قرار الإيقاف الذي لا يمكنها التعهد به لأنه غير معروض عليها من الأصل وقد سبق الحكم فيه بالرفض لعدم الاختصاص في 13 سبتمبر 2019.

في السياسة

اعلم أن رئيس الجمهورية المؤقت طالب بإطلاق سراح نبيل القروي وذكّرنا بالقرض الذي ينتظرنا من المانحين.
اعلم ان رباعي نوبل طالب بالإفراج عن القروي.
اعلم أن عبد الفتاح مورو دخل الى مكتب الرئيس الأول لمحكمة التعقيب صبيحة يوم صدور القرار.
اعلم أن هذا القرار الذي غلف بغطاء قانوني هو قرار تشوبه شوائب كثيرة وتحوم حوله شبهات السياسة.

Exit mobile version