عبد اللّطيف درباله
نور الدين الطبوبي أمين عام إتحاد الشغل وفي انتقاده للنظام السياسي الحالي.. وللطبقة السياسيّة الحاليّة تساءل قائلا:
“ظهر بالكاشف أنّ هذه الجمهورية الثانية لم تحقّق شيئا من انتظارات الشعب التونسي.. خاصّة بعد الثورة.. وخاصّة بعد ظهور طبقة سياسية ثورجيّة..
ماذا استفاد منها الشعب التونسي؟
هذه الطبقة التي أصبحت ترمي المنظّمات الوطنية بالحجارة..”

من الواضح أنّ أكثر ما يغيظ الطبّوبي على ما يبدو في النظام السياسي الذي لم يعد يعجبه.. أنّه سمح لبعض الطبقة السياسيّة بأن ترمي المنظمّات الوطنيّة بالحجارة.. قاصدا بذلك بلا شكّ معارضة بعض القوى والشخصيّات السياسيّة لممارسات وسياسة الاتّحاد.. وانتقادهم لأعمال وتصرفّات قياداته.. بمن فيهم أمينها العامّ.. أي هو نفسه..!!
لكنّ الطبّوبي.. وفي دعوته للاستفتاء ولتغيير النظام السياسي الحالي.. لم يقل لنا كيف أنّه ومع تغيير النظام السياسي.. فإنّه سيضمن تغيير الطبقة السياسيّة تماما.. بحيث تكون خالية ممّن “يضرب المنظّمات الوطنيّة بحجر”.. وممّن ينقد اتحاد الشغل وقياداته..؟؟!!
أم أنّ الطبوبي سيشترط مثلا في النظام السياسي الجديد فصولا قانونيّة أو دستوريّة تمنع انتقاد المنظّمات الوطنيّة.. وتمنع كشف تجاوزات قياداتها..؟؟!!
هل يريد الطبوبي.. بعد الثّورة.. نظاما سياسيّا يسمح بحريّة ممارسة النشاط السياسي.. وبحريّة الإعلام والرأي والفكر والتعبير.. وبنقد مؤسّسات السلطة.. من رئاسة الجمهوريّة إلى رئاسة الحكومة مرورا بالبرلمان.. ويسمح بمعارضة ونقد رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب والنواب أنفسهم والوزراء وأعضاء الحكومة.. لكنّه في المقابل يجرّم معارضة وانتقاد المنظّمات.. وخصوصا اتحاد الشغل وقياداته..؟؟!!
هل يريد نور الدين الطبوبي نظاما سياسيّا يصنع طبقة سياسيّة خالية من معارضي اتّحاد الشغل.. كما يُصْنَعُ الحليب الخالي من الدّسم..؟؟!!!
تتأكّد هذه النّزعة الإقصائيّة أكثر في فكر وكلام الطبوبي.. وتكشف عقدته الجديدة اتّجاه النقد والمعارضة ليس للاتّحاد كمنظّمة في حدّ ذاتها.. وإنّما لقيادة الاتّحاد بمن فيها من أشخاص.. وذلك من خلال بعض ما جاء أيضا في حواره الإذاعي يوم الإثنين.. عندما تحدّث عن اللّقاء الأخير في وسط الأسبوع الماضي مع رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. حين صرّح الطبّوبي “طبعا الاتّحاد ضدّ توظيف الحريّة في مفهومها الضيق”..!!
ثمّ يضيف قائلا بأنّ “الحصانة أصبحت تستعمل للتهجّم والتشهير والقدح والكلّ ضدّ الكلّ.. هذا غير منطقي بالمرّة وفيه ترذيل للمشهد السياسي.. شخص متحصّل على 1000 صوت تقريبا يهدّد رئيس تحصّل على قرابة 3 ملايين صوت ويقول له نوجّه لك الإنذار الأخير.. شكون الناس هذي؟.. فيقوا على أرواحكم.. الحصانة تكون لإصلاح الوضع وليس لمثل هذه الممارسات.. عاصفة باش تجي وستأكل الأخضر واليابس”..!!
من الواضح أنّ المقصود بهذا التصريح هو مباشرة النائب سيف الدّين مخلوف رئيس إئتلاف الكرامة.. باعتباره هو من وجّه تلك العبارة لرئيس الجمهوريّة..!!
لكن.. وبقطع النّظر عن مدى صحّة وسلامة مثل ذلك التصريح لمخلوف ضدّ رئيس الجمهوريّة.. فإنّ كلام الطبوبي يحيل إلى معاني مقلقة.. وإلى استنتاجات مدهشة..!!!
فإذا ما اعتبر الطبوبي أمين عام الاتّحاد أنّ النائب سيف الدّين مخلوف يتحصّن بالحصانة البرلمانيّة ليطلق مثل تلك التصريحات.. فهل يعني ذلك أنّه لو كان مواطنا عادّيا أو سياسيّا لا يتمتّع بالحصانة.. فإنّه كان سيتعرّض للهرسلة.. بتتبّعه ومحاسبته ومحاكمته وعقابه.. لأنّه تجرّأ وقال بأنّه “يوجّه الإنذار الأخير لرئيس الجمهوريّة”..؟؟!!!
هل أنّ إصلاح النظام السياسيّ الذي أصبح يدعو له الطبوبي.. سيتضمّن أيضا منع نقد رئيس الجمهوريّة.. سواء من المواطنين العاديّين أو حتّى من النواب الشعب المنتخبين..؟! وأنّ من لا يملك حصانة سيقع مثلا اعتقاله أو سجنه.. من أجل مثل تلك التصريحات المعارضة أو المنتقدة أو حتّى المتهجّمة في حدود السياسية.. تماما كما كان يحصل زمن الديكتاتوريّة في عهدي بن عليّ وبورقيبة..؟؟؟!!!
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.