أبو يعرب المرزوقي
من هم غزاة تونس؟ وما هي أدواتهم؟ ولماذا لم يعد لهم القدرة على البقاء فآن وقت سقوطهم المدوي؟
- أولا أسمي غزاة تونس أصحاب الحملة الحالية التي بلجوء قائدها إلى محاولة توريط الجيش في مشروعه اعترفوا بأنهم خسروا معركة الشارع لأن ما توهموه سر قوتهم أي نتائج الرئاسيات صارت عليهم وليست لهم: فأكثر من ثلثي ناخبيه فهموا ما كان نوايا بعد أن صار أقوالا أوضح وأفعالا اقبح.
- ثانيا ما تتألف منه حملة ما يسمى قوى سياسية وقوى نقابية ليس قادرا على ملء بطحاء محمد علي. فاتضاح المشروع الهدام للدولة والثورة بات كافيا لتحجيم ما يفاخرون به عند الكلام على “مكينة” الاتحاد.
فهو لم يعد قادرا على تجنيد غير الباندية ومافية الفساد التي سيطرت على مؤسسات الدولة الإدارية والاقتصادية. والمعلوم أن الباندية أكثر البشر جبنا لانهم “تبونيدهم” لا يكون إلا على الضعفاء. والثورة بحمد الله ليست ضعيفة لا محليا ولا إقليميا وستدوس عليهم كما داست على بشار وحفتر وقريبا على البقية.
أما القوى السياسية التي تنتسب إلى هذا المشروع الإجرامي فكلها من جماعة صفر فاصل في كل الانتخابات التي عرفتها تونس بعد الثورة سواء كانت الحركة الشعبية أو الحركة اليسارية أو حتى بعض الليبراليين الذين يتمعشون من المافيات التي تستخدمهم لامتصاص الدولة.
أما لماذا لم يعد لهم القدرة على البقاء وآن سقوطهم المدوي فيمكن فهمه عندما نصل فعلهم المشين الحالي ضد الدولة وأمن الجماعة بما يجري في الإقليم وفي العالم وليس في تونس وحدها.
فهو يعود إلى علتين إقليميتين فضلا عما شرحت في قوتهم الذاتية من وهاء يتجاوز وهاء بيوت العنكبوت وخاصة بعد أن أدركت القوى السياسية التي تدافع عن الدولة وعن الثورة أن قائدهم يلعب “بعشانا” كما يقول المثل التونسي إذ يحاول توريط الجيش بتحركاته الأخيرة المريبة:
العلة الأولى هي ما عليه حال الثورة العربية المضادة التابعة لإسرائيل والثورة العربية المضادة التابعة لإيران من عجز متزايد على فعل شيء لصالحهم بعد أن هزموا شر هزيمة في ليبيا وفي اليمن وفي الهلال في العراق وسوريا وحتى في لبنان على يد الشباب الثائر بل وحتى في عقر دارهم إيران والخليج.
فلا اعلامهم له مصداقية يمكن أن تساعدهم بل إن كل كلامهم على الثورة في تونس ونسبتها إلى من يسمونهم “الاخوانجية” لم يعد يصدقه حتى بوسعدية خاصة إذا علمنا أن أنظمتهم ما تزال قبلية ومطلقة التبعية تحميها مرتزقة غربية وتقودها نخب أجنبية لأنهم لا يثقون في شعوبهم وشبابهم ومفكريهم وعلمائهم.
ولذلك فكل من يشهر به أعلامهم يشهره ويزيده قوة لأن الناس يفهمون عكس ما يقوله الإعلام الفاقد للمصداقية. ولو كنت محل الغنوشي لتركتهم يقولون في كل ما يعن لهم ولما شكوت أحدا لأن الإعلام العربي كله من جنس صوت العرب وأكاذيب حسنين هيكل. لا أحد يصدقهم بل يعكس دائما فيعتبر الحقيقة هي ما ينفونه وليس ما يثبتونه.
ولا أموالهم بقي فيها بعد دفع الجزية لترامب وصهره وللمرتزقة التي تحميهم ما تمكنهم من تمويل الطامعين في الرز وفي الفستق من النخب العميلة سواء كانت سياسية أو إعلامية أو “ثقافية” أو حتى “جامعية” من الجوعى الذين لا يشبعون وخاصة بعد جائحة كورونا وهبوط سعر زيت الحجر الذي يمكله “البقر”.
العلة الثانية القوى الاستعمارية التي تسند الثورة المضادة العربية لم يعد لها القوة للتدخل أولا لأنها “لاهية في همها” ليس بسبب كورونا مباشرة فحسب بل أيضا بسببها بصورة غير مباشرة أعني بما سيكون عليه وضعهم الاقتصادي الذي لن يختلف كثيرا عن حال دول الخليج التي تمول الثورة المضادة.
لكن بقي مشكل عويص هو الذي أخافه على أمن تونس لانه جار على قدم وساق: فاحتلال قرطاج يجعل كل أسرار الوطن في متناول الأعداء وتخليص قرطاج من محتليه قد تفسد المسار بخطر تحوله إلى علة ما لا تحمد عقباه.
ذلك أني لا أثق في من له علاقات مع فرعي الثورة المضادة ولا اعتبره جديرا بحفظ أسرار الدولة والبلاد خاصة وديوانه كله من المعادين للوطن أمنه وهويته وثقافته وخياراته منذ نشأة الدولة الوطنية لأنهم كانوا أعداء بورقيبة وقوادة ابن علي. وما أظن ما حصل للحامدي من استبعاد لحجب ما يفعلونه بأسرار الدولة ببعيد عن تعليل دفعه للاستقالة.
والمشكل ليس في وجودهم بعد أن حصل بل في كيفية إزالته دون أن يكون في ذلك خطر يهدد بقاء الدولة لأنه من العسير توحيد القوى السياسية من أجل فرض إعادة الانتخابات بنوعيها الرئاسية والنيابية سابقة لأوانها حتى يتم التخلص من الفيروس السياسي الذي ينخر كيان الدولة والجماعة.
لكني أعتقد أن دعوتهم للانقلاب الشارعي الذي يسمونها ثورة الجياع والدعوة إلى الاستفتاء على تعدي الدستور من اجل جمهورية ثالثة يمكن أن تعتبر فرصة للرد بتحد أكبر: الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها يكون رهانها استفتاء الشعب لتعيين من يقوم بذلك أي من سيغير الدستور لأني أنا نفسي لم أكن راضيا عنه من البداية.
وتغيير الدستور ليس للعودة إلى الاستبداد والفساد بل لتغيير بعض فصوله الهلامية وإزالة ما فيه من “تعلم الحجامة في رؤوس اليتامى” لأن الدساتير لا يكتبه المتعلطون على الفلسفة السياسية من المتخرجين الجدد في القانون العام. والديباجات الدستورية ليست نصوصا أدبية يكفي فيها التفاصح اللساني.
ولما كان المشروع الخبيث الذي يريد تحويل تونس إلى نظام اللجان الشعبية والسوفيات ليس أمرا يمكن أن يقبله لا الشعب العادي بمقتضى عقائده ومعرفته بما حصل لليبيا ولكل بلد طبق الفكر الشيوعي ولا من عندهم ما يخسروه من مثل هذا النظام الذي يحارب الملكية الخاصة والحريات وحقوق الإنسان ويجعل الدولة حديقة الملالي وفرنسا فإن النتيجة معلومة من الآن.
ويقتض هذا الرهان أمرين: مشروع للمصالحة الوطنية حول أمرين:
- الأول هو اعتبار الانتقال الديموقراطي العامل المشترك لكل القوى السياسية أيا كانت خياراتها الاقتصادية والاجتماعية.
- الثاني اعتبار المحافظة على مقومات هوية الشعب العامل المشترك الثاني لكل القوى السياسية أيا كانت خياراتها القيمية.
والأول يعني مواصلة تحرر الإنسان من هيمنة الدولة التي صارت أشبه بمافية شيوعية حتى قبل المشروع الخبيب الذي يطلبه ساكن قرطاج.
والثاني يعني مواصلة تحرير البلاد من بقايا الاستعمار الفرنسي لثقافة البلاد ولاقتصادها إذ هو مهيمن على تربيتها وثقافتها وثرواتها وقد آن أوان استكمال معركة ا لتحرير خلال محركة التحرر.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.