نور الدين الغيلوفي
(مقال أوّلُهُ جدٌّ وآخرُهُ هزلٌ)
سفيان بن حميدة مثله مثل توفيق بن بريك، من تلك الطائفة التي لو خرج “الخوانجي” من جلده ما اعترفوا به مواطنا بشريا له عينان ولسان وشفتان.. لا يقبلون به بينهم ولو أنّه جعل من تونس سويسرا…
الخوانجي عند هؤلاء نمط مستنى من مدينتهم ولو كان لهم قول صريح لقالوا “من كان إخوانجيّا فلا يدخلنّ علينا”…
هذا التصنيف الذي لا تخفى عنصريته مشتقّ في الحقيقة من أروقة مخابرات أنظمة دكتاتورية فاسدة مفسدة أضاعت زهاء قرن من زمان الأمّة.. تلك الأروقة تركت سجلّا وصفيا لمحكوميها.. ومثلما صنعت أنظمة النفط في الخليج بعبع الإلحاد الشيوعي زمن الحرب الأفغانيّة جعلت له ألسنة وأقلاما محافظة تحاربه، صنعت الأنظمة العسكرية وشبه العسكريّة بعبع الإسلام السياسي جعلت له ألسنة وأقلاما ليبرالية ويسارية وقومية تشيطنه… حتّى بات الإسلاميون طرائد يطلبها الجميع يمينا ويسارا.. وانتشر خطاب الإقصاء ومنطق الاستئصال ضدّ أبناء التيار الإسلامي يلتقى فيهما ورثة التجمع المنحل ومنتسبو اليسار الآفل وأتباع العروبية المعولمة.. لا فرق فيهم بين من يهاجم “الإخوان” كما لو كان نظام عبد الناصر أو حافظ الأسد قائما وبين من يتابع “الخوانجية” كما لو كان نظام بن علي قائدا…

الإسلاميون ليسوا ملائكة ولا هم شياطين.. وليس من فرق بينهم وبين خصومهم إلّا ما سكن رؤوس هؤلاء الخصوم من تمثّلات لهم يعيشون بها ولها لأنّهم لا يجدون لهم معنى خارجها ولا موضعا…
فما الفرق مثلا بين أستاذ للفلسفة ذي خلفية يسارية وزميل له ذي خلفية “إسلاميّة” إذا تصدّيا في اللحظة نفسها إلى تقديم درس في الفلسفة بمعهد من المعاهد التونسية؟ لن يكون من فرق بين الأستاذين إلّا ما كان متّصلا بالمعارف المكسوبة وبمهارات الأداء التي نجد أثرها في نتائج المتعلّمين عن الاختبار.. ولك أن تقيس على ذلك لتعلم زيف الميز بين المواطنين بسبب أفكارهم ومعتقداتهم…
قد يكون كثير من الإسلاميبن محكومين بأدبيّات المدوّنة الفقهيّة لا يرون عقائد البشر خارج دائرة الكفر والإيمان ولا يرون أفعالهم خارج دائرة الحلال والحرام.. ولكنّ ما يرونه لا يُخرجهم من ملّة الوطن ليجعلهم في مرمى النيران على الدوام…
الإسلاميون شتّى مثلما أنّ اليساريين شتّى كما أنّ الليبراليين شتى.. أمّا العروبيون فلا شتّى لهم.. وليس جميع هؤلاء عُلَبًا متماثلة في التفكير وفي العمل.. فربّ يساريّ أرفع أخلاقا من إسلاميّ وربّ إسلاميّ أكثر استنارة من يساريّ…
السلفية متشابهة فيهم والعقلانية ليست حكرا على جهة منهم.. ولا يكفيك أن تصف نفسك بما تشتهي ليصدق وصفك عليك…
وإذن فكلّ تنميط يجعل الإسلاميين في زاوية يستطيب خصومهم رميهم منها هو تمييز عنصريّ لا علاقة له بالعقل مطلقا.. إنّما هو تنميط كسول ناجم عن تفكير سطحيّ لرجال ونساء لا يريدون أن يخرجوا من كهوف معتمة لا يستطيعون مغادرتها للنظر خارجها… نور الشمس يستدعي جهدا للنظر من خلاله وهؤلاء أقلّ من أن يبذلوا جهدا وأعجز من أن يبصروا خارج العتمة.. كأهل الكهف اطمأنّ كلّ منهم إلى إدراك الحقيقة من جهة لمسه.. وهم على ذلك عاكفون وإليه مطمئنّون…
سفيان بن حميدة إعلاميّ من تلك الفصيلة التي دخلت الإعلام في الزمن النوفمبري بعد الفشل في الدراسة الجامعية.. أغلق كراس التعلّم مع آخر شعار سمعه “سحقا سحقا للرجعية دساترة وخوانجية”.. وانخرط في الإعلام السهل لأكل الخبز لا أكثر، في زمن كان الإعلاميّ فيه لا يخرج دوره عن إحصاء الأغاني وترتيبها أو تحليل خبر يتعلق بنفوق دبّ جليديّ في بعض نواحي القطب الشمالي…
هذا الإعلامي وجد نفسه، بعد الثورة، كرونيكورا عليه أن يتحدث في السياسة ويشتغل بتحليل الخطاب.. فما الذي ستسعفه به قريحته ليقوله في شأن وزير صحّة خوانجي؟
الوزير، حرصا على استمرار التباعد الاجتماعي ما دام تهديد الجائحة قائما، نصح بعدم ارتياد الشواطىء في الصيف…
الكرونيكور سفيان بن حميدة نقل الخبر.. والخبر مقدّس.. وهو حرّ في التعليق..
أليس التعليق حرّا؟
الرجل دارس منطق.. فماذا يقول المنطق؟
عبد اللطيف المكي خوانجي
الخوانجي متدين
المتدينون لا يبيحون للنساء العراء
الشواطىء تقصدها الناس للسباحة
السباحة تقتضي نزع الثياب..
مربط الفرس في نزع الثياب..
وإذن فلقد انتهز عبد اللطيف المكّي “الخوينحي” فرصة وباء كورونا لمنع الناس من ارتياد الشواطىء حتى يمنع النساء التونسيات من متعة السباحة…
تفكير منطقي جدّا:
خلاصته أنّ الشواطىء لا تعني عند سفيان بن حميدة سوى اللحوم البيضاء.. يرتادها لغاية واحدة لا غير “يشلّل عينيه”..
وفي المدرسة علّموه من قواعد الصحة:
أمران يضاعفان البصر: الجزر ومفاتن النساء…
لا تنسوا أنّ سفيان بن حميدة ضعيف البصر…
ينتظر الصيف ليزور الشاطئ لمداواة بصره بما شاء من مباهج الأجساد يتزوّد منها بما يضاعف بصره ويقوّي عقله لإبداع التأويل الحداثي في المواسم الأخرى…
لا تخرج قبل أن تقول: سبحان الله
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.