عبد اللّطيف درباله
أيّا كان ما يقوله رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد..
وأيّا كانت صحّة ما يقوله..
وسواء كان الحقّ معه.. أو مع منافسيه وخصومه..
وحتّى لو افترضنا جدلا أنّ كلّ ما يقوله الرئيس قيس سعيّد هو فقط الصواب وعين الحقيقة..
فإنّه أصبح.. وبطريقة متواترة.. يقوله ليس فقط بتشنّج وعصبيّة ولهجة عدائيّة..
وإنّما أصبح خاصّة يقوله في المكان غير المناسب.. وفي الزمان غير المناسب..!!!
لقد تواترت الخطب السياسيّة التنافسيّة والصراعيّة.. لرئيس الجمهوريّة والقائد الأعلى للقوّات المسلّحة قيس سعيّد.. في زيارة (الزمان) الثكنات الأمنيّة والعسكريّة (المكان)..!!!
إنّ استغلال رئيس الجمهوريّة والقائد الأعلى للقوّات المسلّحة.. لفضاءات أمنيّة وعسكريّة.. لإلقاء خطب ليست سياسيّة فقط.. وإنّما تأخذ جانب وموضوع وشكل الصّراع السياسي.. والردّ على الخصوم السياسيّين.. ومهاجمة جهات وشخصيّات سياسيّة أخرى بالبلاد..!!
هو خطأ سياسي واتّصالي ودستوري جسيم..!!
بل وخطير..!!!
فالقوّات الحاملة للسلاح.. من جيش وأمن وحرس وديوانة وغيرها.. هي فئات يفترض أنّها محايدة وغير متحزّبة..!!
وغير مسموح لها بممارسة السياسة..!!
وغير مسموح لها أصلا بالحديث في السياسة ومناقشتها أمورها.. في مكان العمل من مقرّات وثكنات..!!
وإنّ وقوف رئيس الدّولة.. عديد المرّات وبتواتر.. وسط ثكنات عسكريّة وأمنيّة.. ووسط جنود وضبّاط وجنرالات عسكريّين وأمنيّين.. يلقي كلمات سياسيّة بحتة.. والسلاح مرفوع.. هو تصرّف في غير الزمان والمكان الملائم بتاتا..!!!
على رئيس الدّولة.. أو رئيس الحكومة.. أو غيرهم من القيادات السياسيّة.. أن تكون خطاباتهم وسط قوّات الأمن.. إن اكتست بعدا سياسيّا.. أن تكون فقط عن سياسة الدّولة حول أمن الوطن وتأمين الشعب ومحاربة الإرهاب والعصابات المسلّحة والجرائم والجريمة المنظّمة والتصدّي للخارجين عن القانون وما شابه ذلك..
فإن كانت خطب القيادات السياسيّة وسط قوّات الجيش.. يجب أن تكون عن الدّفاع عن أمن البلاد الخارجي والداخلي.. وعن محاربة الأعداء والإرهاب والقوى المهدّدة لتونس والتصدّي للمخاطر الآتية من الخارج وما شابه ذلك..
أمّا أن يقف رؤساء دولة.. أو رؤساء حكومة.. أو وزراء أو غيرهم.. ليهاجموا خصومهم السياسيين.. من الأحزاب أو القوى أو الشخصيّات السياسيّة الأخرى.. وأن يحاولوا تبرير وجهات نظرهم.. وإظهار أنّهم هم على صواب وأنّ الحقّ معهم.. وإظهار أنّ الجهات السياسيّة الأخرى المنافسة التي تقابلهم.. هي على خطأ.. والتهجّم عليها بشدّة.. ونعتها بنعوت سلبيّة وسيّئة وشديدة وخطيرة.. فذلك هو إقحام للشأن السياسي في الوسط الأمني والعسكري المفترض فيه الحياد..!!!
وهو إحراج للأمنيّين والعسكريّين.. بإجبار الجنود والضّباط والجنرالات.. على سماع خطب سياسيّة بحتة ليست من صميم عملهم.. ولا من مهامهم.. ولا اختصاصهم.. ولا واجبهم.. ولا دورهم.. في الدّولة..!!
وهي تتناقض مع واجب الحياد السياسي.. المفروض عليهم قانونا.. والمطلوب منهم أخلاقا.. باعتبارها خطبا لا تتعلّق بسياسة الدّولة.. وإنّما تتعلّق بسياسة الأطراف السياسيّة.. وبالتنافس السياسي بين الفاعلين السياسيّين داخل تونس.. سواء من هو في السّلطة.. أو من هو خارجها..!!
الأخطر من ذلك.. فإنّ استمرار سماع قوّات الأمن والجيش.. في عقر ثكناتهم الأمنيّة والعسكريّة..
بالأمر الواقع وغصبا عنهم..
للخطب السياسيّة التي تهاجم بعض القوى السياسيّة وتصفها بشتّى النعوت.. حتّى ولو افترضنا جدلا صحّة ذلك الرّأي..
هو بالتأكيد تأثير على تلك القوّات المسلّحة..!!
وشحن لها ضدّ أحزاب أو شخصيّات سياسيّة..!!
بما يمكن أن تنشأ منه مواقف فكريّة وسياسيّة وعاطفيّة.. منها الكره والعداوة والاحتقار والازدراء والتخوين.. لتلك الأحزاب والشخصيّات السياسيّة الواقع مهاجمتها بحضورهم.. ولو بلا تسميتها..!!!
وهو ما يعدّ جرّا خطيرا للقوّات الحاملة للسلاح إلى الإنتماء السياسي والفكري والعقائدي والحزبي..!!
وإلى فخّ التموقعات السياسيّة..!!
وإلى التخندق الحزبيّ أو السياسيّ مع طرف ضدّ آخر..!!!
فكما ينادي البعض بضرورة فصل السياسة عن الدّين..
فإنّه من الضروريّ التأكيد.. بل التذكير.. بمبدأ وقانون.. ضرورة فصل السياسة عن السلاح..!!
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.