الحبيب بوعجيلة
تأسست دولة الاستقلال البورقيبية ضمن رؤية توفيقية حذرة في علاقة بالدين وفي رفض قطعي للائكية مصطفى كمال، أسس بورقيبة لدولة “مدنية” (؟) أممت الإسلام وأعلنته ملكية حصرية للدولة تأوله وتنظمه وترعاه ليكون بورقيبة بذلك ماسكا بالإمامة والزعامة في نفس الوقت…
تقول ما ندخلش في موضوع مجبود من الحيط لصناعة إستقطابات تمنع الاستقرار السياسي للإنجاز والإصلاح وبعد كي تشوف الانتصاب المعرفي الفوضوي تولي تقول خلي ندلو بدلوي.. ثمة شبيبة حرام انو نخلوهم في براثن أنصاف العارفين يتنطرو قدامهم و”المدنية” ضاربة مسد والبريما فيهم ما يفرقش بين لوك وروسو ومونتسكيو وبكلها عكري…
تأسست دولة الاستقلال البورقيبية ضمن رؤية توفيقية حذرة في علاقة بالدين وفي رفض قطعي للائكية مصطفى كمال، أسس بورقيبة لدولة “مدنية” (؟) أممت الإسلام وأعلنته ملكية حصرية للدولة تأوله وتنظمه وترعاه ليكون بورقيبة بذلك ماسكا بالإمامة والزعامة في نفس الوقت…
علاقة بورقيبة بالإسلام كانت باستمرار علاقة براغماتية تجلى فيها توظيف الدين في السياسة بشكل عصري مثير للاستغراب (الموقف من الطاهر الحداد ومعركة التجنيس أثناء فترة الاحتلال).
في فترة الاستقلال دشن بورقيبة أول عملية تأميم للإسلام عبر تصفية الزيتونة (الإسلام الأهلي) ومحاصرة الطرق (الإسلام الشعبي). هيمنة الخط “التحديثي” وصمت الخط الحضاري (العربي الاسلامي) فجر الاستقلال دفع نحو نزوع معلمن للدولة الوليدة في سياق استثمار الألق والدفع الذي تعطيه السنوات الأولى لاستكمال تصفية المعركة مع اليوسفية لذلك مثلا لم يكن توقيت الدراسة والعمل يتغير في شهر رمضان وكان التلاميذ والعمال والطلبة يمكن أن يستمروا في الدوام حتى بعد غروب الشمس وكانت الدعوة الى الإفطار. لكن بورقيبة في كل ذلك كان يقدم ذلك لا باعتبار أن الدولة لائكية بل باعتبارها دولة إسلامية لها قراءتها للإسلام.. مقولة الدولة المدنية لم يستعملها بورقيبة لأنه متعلم ومثقف… (كلمة الدولة المدنية فلسفيا راهي كلام فارغ مثلما تقول الحليب الأبيض.. لا علينا هذا كلام فكري مفهومي) (état civil هي الحالة المدنية في مقابل الحالة الطبيعية).
منذ السبعينات وبعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للتعاضد وليس في اطار تكتيك الصراع مع اليسار (كما يقول البعض وهذا كلام فارغ لان المطلوب وقتها هو إيجاد هوية وانفتاح على الريع النفطي) سوف يمنح بورقيبة للجناح الحضاري داخل حزب الدستور قصب السبق على الجناح الحداثي (فرانكفوني/ وبعض شخصياته من رواد المحفل الماسوني غالبا حسب بحوث مميزة لعدد من المؤرخين العلميين). وفي هذه الفترة تم تحوير التوقيت وبداية التعريب وفي هذا الاطار سوف ينشأ منافس جديد للإسلام الرسمي البورقيبي وهو “الإسلام السياسي” كما اطلق عليه خصومه أو “الإسلام الحركي” كما يسميه أصحابه أو “الإسلام الاحتجاجي” (الهرماسي) كما ستطلق عليه اكاديميا البحث الرسمي للجامعة التونسية في الثمانينات.
لم تواجه الدولة “الإسلامية” البورقيبية حرجا مثل الذي واجهته مع الإسلام السياسي لان هذه الظاهرة ستطرح ضربة واحدة كل الإشكاليات التي تصور بورقيبة انه قد حلها فأطل “الإسلام السياسي” ثأرا شاملا للزيتونة والإسلام الشعبي والعروبة والهامش الاجتماعي والنزوع الديكولونيالي (من مؤسسي الإسلام السياسي زواتنة محمد صالح النيفر.. عبد القادر سلامة ويوسفيون سابقون.. احمد لزرق أبو عماد مثلا). لم تواجه الدولة البورقيبية ونخبها صداعا مزمنا قدر صداعها مع “الاخوانجية” باعتبار أن الظاهرة تختزل كل الإشكاليات التي تثيرها “النشأة الإشكالية” للدولة “الوطنية” أو “القطرية” أو “دولة الاستقلال” التونسية (الصراع بين الاستقلال التام والمنقوص / العلاقة بين الأهلي والدولتي / المركز والهامش / الطبيعة الطبقية للدولة / الهوية التونسية أو العربية الإسلامية / باريس وروما أو القاهرة ودمشق وبغداد).
جوهر هذه الإشكاليات كان الصراع حول الإسلام… إسلام الزيتونة أم إسلام دولة بورقيبة… واهم من يعتبر نفسه قادرا على تحويل الصراع في تونس صراع دولة بدين أو بدونه… الصراع هو أي دين للدولة أو من يحدد للدولة إسلامها ؟ أي إسلام هو دينها ؟… الباقي كله ثرثرة صالونات…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.