صالح التيزاوي
فاجأ بوعلي المباركي الرّأي العام في تونس بتصريح ناري وعنتري، لم يسبقه إليه أحد لا في تونس ولا في خارجها، في أيّ بقعة من العالم، عندما أعطى للقضاء مهلة تنتهي بحلول عيد الفطر ليطلق سراح النّقابيين المعتقلين على ذمّة قضيّة عنف..
تدخّل سافر في شأن القضاء.. تجاوز بشكل كبير ما كان يعرف زمن الإستبداد “قضاء التّعليمات”. بن علي كان يوقف محاكمة ويبرّئ مجرما، ويدعو إلى محاكمة أخرى لإدانة برئ بمكالمة تلفونيّة، لا تظهره أمام العالم بمظهر من يزدري القضاء ولا يحترمه.. وتحفظ الحدّ الأدنى من هيبة الدّولة في نظر العالم.
أما مع بوعلي المباركي فأصبح تهديد القضاء في العلن وعلى المباشر… إمّا أن تخلّوا سبيل من لم يقل القضاء كلمته فيهم وإمّا!! إمّا ماذا يا هذا؟ إذا كنت واثقا من براءتهم، لماذا هذا التّهديد والوعيد؟ أين ذهبت استقلاليّة القضاء التي صدّعتم بها رؤوسنا؟ في لحظة تضخّم “الأنا”، نسي الزّعيم النّقابي ونصير المظلومين شعاراته في استقلال القضاء وفي الدّولة المدنيّة وفي دولة القانون، لمجرّد أن القانون وصل لأتباعه وأشياعه.. يحاسبهم…
فضحتنا ياسي بوعلي أمام العالم… لم يقترف أحد فعلتك، ولم يحدث أن هدّد أحد قبلك قضاء بلاده في العلن.. حتّى بن علي كان يمارس ضغطه على القضاء في السّرّ.

قلّبت الأمر على أكثر من وجه فوجدته لا يستقيم، ولكنّه ليس مستغربا ممّن شدّ الرّحال إلى سفّاح الشّام ليلتقط معه صورة في مكان تنبعث منه روائح القتل وتحت حراسة الغزاة ومليشياتهم… من سرّه أن يلتقط صورة مع من لا يؤمن بالدّولة المدنيّة، ويعتبره “رجلا من أغلى الرّجال”، لن يستنكف أن يهدّد القضاء وأن يتدخّل في شأنه.. عندما تغيب الأسس النّطريّة للدّولة المدنيّة، يرتكب بشّار أفظع الجرائم بحقّ شعبه، ويهدّد بوعلي المباركي وأمثاله من حرّاس الحداثة المغشوشة قضاء بدأ يتعافى من مخلّفات دولة الإستبداد.
بوعلي المباركي “متاع الميتين بركوس” بمناسبة الحفل الأسطوري لنجله، حضره أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة مدعو من السّياسيين، حفل منتزع من حياة الملوك والسّلاطين، علّته، أنّه يرى نفسه فوق القانون وفوق القضاء وفوق الدّولة… لم أقف على مبرّر وحيد للتّهديد، سوى الخوف من علويّة القانون وأنّه قد يطال آخرين.. اتّخذوا من العمل النّقابي ملاذا آمنا..
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.