صالح التيزاوي
في حديث أدلى به لقناة الجزيرة، نصح رئيس الأورغواي الذي حكم البلاد لفترة واحدة من (2010 إلى 2015) كلّ رؤساء العالم بأن يعاملوا شعوبهم بإنسانيّة… وأن يحكموا لفترة واحدة كما فعل هو.

جدير بالذّكر أنّ الرّئيس الأورغوياني، رفض مدّة رئاسته الإقامة في القصر الرّئاسي، وما إن انتهت مدّة حكمه حتى عاد إلى بيته الرّيفي، ليواصل حياته بعيدا عن الأضواء، ويرد على الذين يعتبرونه أفقر رئيس في العالم، بأنّ الأمر ليس كذلك، وإنّما هو زاهد في الحياة.. هكذا عندما يكون السّياسيّ إنسانا، بالفطرة وبالممارسة، لا تفسده الأيديولوجيا مهما كانت، أمّا عندما يتشرّب الأيديولوجيا قبل القيم، يصعب عليه أن يكون إنسانا.. ليس المشكلة في أن يكون الإنسان يساريٍا أو يمينيّا، ولكن المشكلة الحقيقيّة، أن يكون عاريا من القيم والمبادئ..
قرأت هذه الأيّام تدوينة ليساري من بني جلدتنا، كان قد نشرها غداة الإنتخابات التّشريعيّة، وطالب فيها بحل مجلس النّوّاب، بعد كلّ تلك المصاريف الباهظة التي أنفقتها الدّولة من أموال الشّعب، وأعاد هذه الأيّام نشرها على وقع التّروبج لثورة الجياع المزعومة، جدّد الرّفيق دعوته لحلّ البرلمان لأنّه “برلمان رجعيّ”.. على حدّ زعمه.
يا إلهي.. إلى هذا الحدّ يكون الهبوط!! النّائب السابق لخمس سنوات كاملة، اكتشف الآن بعد خروجه منه بأنّه برلمان رجعيّ!! أيّ استعلاء هذا؟ بلغت الغطرسة بالرّفيق أن جعل
الأماكن تتأثّر سلبا وإيجابا وتوصيفا بحضوره أو غيابه..
رحم اللّه غادة السّمان لو أدركت هذا الزّمان، لبدّلت توصيفها لبعض يسار العرب.. ربّما استبدلت “يسار الكافيار” بـ”يسار الخنّار”.. الرّئيس اليساري الأورغوياني جعل تناقضه الرّئيسي طيلة سنوات نضاله ومدٰة حكمه القصيرة مع الإستبداد ومع الفقر ومع التّبعيّة، أمّا بعض فصائل يسارنا، فقد جعلوا تناقضهم الرّئيسي مع هويّة المجتمع ومع ثراثه وحتّى مع تقاليده، ومع من يعتنقها، حتّى وإن كانوا يتقاسمون مع الرّفيق، الإنتماء إلى نفس الطّبقة المفقّرة والكادحة والمتوسّطة.
لا يرى الرّفيق مانعا وهو اليساري العمّالي، سليل الستالينيّة والتروتسكيّة أن يتحالف مع الإستبداد ومع البرجوازيّة ضدّهم بمتطق التْناقض الرّئيسي والثّانوي، الذي برّر به الرّفاق عملهم صلب لجان التّفكير التّجمّعيّة قبل الثّورة، واجتماعهم معهم في ما عرف باعتصام الرّز للإنقلاب على الثّورة ووأدها قبل أن يشتدّ عودها وتبلغ مداها.. لم يمكن بإمكان التّجمّع المنحلّ، أن يبلغ منتهاه في الإستبداد لووجد ممانعة حقيقيّة من الرّفاق… لقد قبلوا على أنفسهم أن يكون عينه وعكّازه.. دور يحيل على التّاريخ دور بعض المستشرقين المتعصّبين، الذين لعبوا دور الدّليل للإستعمار في بلاد العرب والمسلمين..
الجيلاني الهمّامي يأبى إلْا أن يستعيد دوره الوظيفي، بانتظار “برجوازي معفّن” أو رجل أعمال فاسد، يقدّر أنّ دوره في الحياة، لا يزيد عن جمع المال من عرق الطّبقات الكادحة.. ينتظر الرّفيق” العمٍالي” من يموّل اعتصام الرّز (2) يجتمع فيه كلّ من خان وباع… تحت عنوان مضلّل “ثورة الجياع”.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.