الحبيب بوعجيلة
حتى يفهم الصادقون تخميرة الصراع الحالي..
أما مهندسو الصراع فنحن نفهمهم ولن تنطلي علينا..
نزعجهم بتبسيط المعقد لذلك يكرهنا الوظيفيون والواضعون أنفسهم على الذمة
على أبواب دخولنا الى “تونس ما بعد الكورونا” يتم التسخين جيدا للتجاذبات السياسية المطلوبة لإجهاض كل محاولة إصلاحية تستحضر المطالب الضمنية التي عبرت عنها اتجاهات انتخابات 2019 التي لم نكف عن التذكير بها في مفاوضات تشكيل حكومة الجملي والفخفاخ أي اتجاهات مقاومة الفساد وبداية تفكيك سيستام اللوبيات وتدشين أول الخطوات في المشروع الوطني الجديد.
التسخين للتجاذبات والاستثمار في كل الخلافات الممكنة بين أطراف الحكم الحالي في القصبة وقرطاج وباردو هي الخطة التقليدية للمتضررين من الانتقال الديمقراطي وهو الأسلوب الدائم للخائفين من استقرار الأوضاع بما يسمح بالشروع في الإصلاح الحقيقي.
المتضررون لا يتحددون في قوة واحدة بعينها بل بأطراف عديدة وأحيانا متناقضة ظاهريا ولكن معرفتها ممكنة بمجرد استحضار هوية القوى التي ظلت تجتمع منذ اعتصام الروز بالفاكية على معاداة الثورة والانتقال وهي قوى تتفرق وقد تتصارع كلما ضعف المسار الإصلاحي وتعود للاجتماع كلما شعرت بالخطر المشترك.
الجديد في أسلوب هذه القوى المعادية لإصلاح تونس أنها تستثمر الآن بمهارة في التناقضات الجزئية التي نشأت منذ سنوات بين من “يُعرفون” بكونهم أنصارا للثورة والانتقال وإنجاز المشروع الإصلاحي ممن أنصفتهم انتخابات 2019.
تم بمهارة منذ فجر انتخابات 2019 تحويل الصراع على أشده بين أنصار قيس سعيد أو أنصاره المزعومين وأنصار النهضة الذين ينقسمون بدورهم الى شقوق يخوضون صراعا مع انصار التيار والشعب في نفس الوقت الذي تصدعت فيه تحيا تونس وهي الشريكة التي تمت المراهنة عليها لإضعاف “القديمة المضادة” حين تمت دعوتها لتكون شريكة في حكومة “الإصلاح”.
هذه الخطة الماهرة والمحكمة قادها في رأيي نفس المهندسين الأوائل لاستقطابات 2012 أي مهندسو “الروز بالفاكية”.
اجهاض مخرجات انتخابات 2019 وتفجير الصراعات داخل الحكومة وبين أحزاب الحكم وفي داخل هذه الأحزاب نفسها وترذيل البرلمان وعزل قيس سعيد واختراقه لإعادة كل الأوراق في يد مخططي الحياة السياسية والمهيمنين عليها منذ إستقطابات “الروز بالفاكية” لتتمكن من إعادة التفاوض المتوازن مع النهضة. هذا هو هدف الخطة.
“الروز بالفاكية” هو اصطلاح اعتباطي استعمله للإشارة إلى السيستام المستجد الذي تشكل بعد ترتيبات معقدة بين قوى خارجية وداخلية لقيادة البلاد وترتيب المشهد السياسي منذ 2012 وقد سميته باسم أبرز معركة مظفرة خاضها وهي معركة اعتصام الرحيل والتي أجبر فيها السيستام ثورة 17 – 14 على التفاوض معه وفق شروطه.
“سيستام الروز بالفاكية” يتخذ كل مرة خططا مختلفة ويوظف في كل مرحلة -بصورة منفصلة أو موازية- أدوات حزبية متعددة من يسار ووسط ويمين بل وقد يوظف حتى اختراقاته في الأحزاب المقابلة له والمسماة ثورية منذ فترة الترويكا بمن فيها أجنحة من النهضة نفسها أي غريمه الأساسي.
المنافس الوحيد والمفاوض الأساسي لسيستام “الروز بالفاكية” أي النهضة تدير حاليا بشكل جيد وشرس صراعها وتسوياتها معه في سياق تجربتها الطويلة وقوتها البشرية وتمكنها من تحقيق عدد من الاختراقات معه وسيطرة بعض أجنحتها على عدد من أجنحته.
في المقابل يبدو الشركاء الجدد للحكم وأنصارهم اقصد “التيار” و “الشعب” و قيس سعيد مرتبكين في الوعي بطبيعة وتعقيد الصراع مما يجعلهم في أحيان كثيرة مجرد قوى وظيفية يخدمون بمعاركهم المغلوطة لصالح هذا الطرف او ذاك دون وعي بمصلحة الانتقال والثورة وبناء المشروع الوطني.
نتعرض في مقال آخر لآفاق الحلول الممكنة لحماية مخرجات 2019
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.