أنور الغربي
أعرف السيد النائب عياض اللومي وتناقشت معه كثيرا سنة 2013 الى 2015 تقريبا وكنت مقتنعا ولازلت بأنه بإمكان الدستوريين الشرفاء والوطنيين أن يلعبوا دورا بارزا في بناء الجمهورية الجديدة
يسعى بعض الساسة الى ترذيل المشهد وجر الجميع الى مستنقعات يجيد البعض المعارك داخلها ولعل آخر هذه المحاولات أتهام أحد النواب زميل لها في معرض رده على مداخلاتها والتهريج الذي عرفت به بأن مكانها الطبيعي هو ماخور مومسات ورد النائب برفعه قضية ضدها مكذبا أقوالها ومعتمدا على الشهود والتسجيلات في غرفة اجتماعات داخل البرلمان.
في الواقع الموضوع ما كان ليثير الاهتمام لدي لو لم يكن يمثل واحدة من حلقات ترذيل للمسار الديمقراطي التونسي الذي كانت تقارير مخابراتية عربية تحدثت عنه في معرض الخطط المرصودة لمواجهة ثورات الحرية والكرامة للشعوب العربية.

يجب أن أشير بأني أعرف السيد النائب عياض اللومي وتناقشت معه كثيرا سنة 2013 الى 2015 تقريبا وكنت مقتنعا ولازلت بأنه بإمكان الدستوريين الشرفاء والوطنيين أن يلعبوا دورا بارزا في بناء الجمهورية الجديدة وباعتبار أن سي عياض -الذي لم يكن نائبا وقتها- كان في دائرة تضم عددا من هؤلاء فقد حرصت شخصيا على التواصل معهم بل سعيت لإقناع المترددين والمتخوفين من حولي بوجاهة التعامل مع العقلاء منهم وهو ما حصل لاحقا. وحجتي ومن معي في ذلك كانت يومها بأن التعامل مع العقلاء من الدستوريين يمثل صدا أمام رجوع بقايا التجمعيين والأدوات التي كان يستعملها بن علي وحاشيته وهذا أيضا ما نشهده اليوم.
سي عياض بدا لي أنه رجل له آراؤه وهو محترم ويحترم وبراغماتي في تعامله ربما غير مدرك لما كان يخطط لبلادنا من “قابيل” العصر وقتها ولكن يحترم الآخرين النساء قبل الرجال والكبير قبل الصغير وكان ممكن حينها البناء على المشترك الوطني ولكن حصلت تغيرات حالت دون ذلك وأخذ مسارات سياسية لها ما لها وعليها ما عليها. أذكّر بهذا لأني أجد صعوبة في فهم استهداف السيد النائب -إن حصل طبعا- للمومسات وهو يدرك جيدا بأن خطر البعض أكبر بأضعاف من هذه الشريحة الهشة والتي تعتبر شهادة حية على فشل المنظومة التي كان يدافع عنها وعن رموزها أخلاقيا واقتصاديا واجتماعيا. كان الرجل يقول لي أنا مدرك بأن ما تدعون له من دولة القانون والعدالة والأخلاق السياسية أجد فيه نفسي من أجل أن يأخذ كل مواطن حقه بعيدا عن التخوين والحكم الجماعي على الناس.
وجدت النائبة من يصدق روايتها وشنت حملة كبيرة على السيد النائب على الرغم أن كلا النائبين من نفس المنظومة التي حكمت البلاد منذ خروج جنود الاحتلال الفرنسي من تونس منتصف الخمسينات.
وبانتظار حكم القضاء يهمني الإدلاء بشهادة في حق بعض المومسات اللاتي توجه لهم السيوف من كل الأطراف المتناحرة في المستنقع اليوم. بعض المومسات خدمن الوطن وساهمن في الإطاحة بمنظومة الديكتاتورية والفساد بكل أنواعه. بعضهن ضحايا المجتمع والمنظومة الأخلاقية والصحية المرتبطة بآليات الإفساد في البلاد استعملها الاحتلال الفرنسي وواصلها أتباعه وخدامه.
وأريد في هذه العجالة أن أذكر ببعض الصور التي بقيت عالقة في ذهني حول مساهمة بعض المومسات من أجل بناء وطن نظيف “ليس لهن ولكن لأبنائهن وأحفادهن” كما قالت لي إحداهن ذات يوم في معرض سؤال عن “المخاطر التي تعرض نفسها لها لدعم خصوم بن علي”.
خلال سنة 2004 كان بن علي في قمة جبروته وكان خدامه يتسابقون لنيل رضى حاشيته وأذكر أني حضرت سهرة في أحد النزل في جينيف نظمت من أجل الترويج لنجاح النظام والتحضير لقمة المعلوماتية سنة 2005. ولم ينتبه الحضور يومها لوجودي إلا بعد أخذ الكلمة مما حدا بسفير بن علي في سويسرا وقتها بالاعتداء علي بالعنف. ورفعت قضية جنائية في جينيف وكتبت مقالا بالعربية والفرنسية متسائلا عن جدوى فتح الأبواب في جينيف لأعداء الحرية والديمقراطية. وبعد أيام اتصلت بي إحداهن وعرفت نفسها “بالمومس التي تبحث على طريق التوبة من أجل ابنها الذي بدأ يكبر”، وأمدتني بكم هائل من المعلومات حول “رجال النظام ونسائه” وشبكتهم في جينيف ولوزان.
وفي البداية تم التعامل مع المعلومات بحذر ولكن تبين لاحقا بأن المرأة “المومس” أصبحت تعرض نفسها لمخاطر غير محسوبة من أجل الإطاحة بمنظومة الفساد حتى لا “يعاني ابنها من الظلم والعبودية” كما تقول.
ومع أخذ ما يلزم من احتياطات أمنية وغيرها عرفتني تلك المرأة لاحقا على “ضحية” أخرى دخلت مجال البغاء لأنها لم تجد مجالا “شريفا” يقبل بها وهي أيضا لها علاقاتها وبإمكانها أن توفر ما يطلب منها لأنه يسهل عليها استدراج واصطياد “رجال” النظام وقتها.
ومنذ الأيام الأولى للثورة سنة 2010 كانت المومس “دلال” مقتنعة بأن المنظومة تتهاوى وكانت علاقاتها تسمح لها بالحصول على معلومات حساسة وحصرية ساعدنا -بعد التثبت طبعا- سياسيا وإعلاميا في تعرية النظام وفضحه ومن ثم التخلي عنه. وبعد الثورة والرجوع للبلاد عرفت حجم الاستعمال والإذلال والاستعباد لهذه الشريحة وسعيت بما أمكن أن أكون ومن معي عند حسن ظن هؤلاء بنا من أجل وطن يحوي ويحمي الجميع.
البعض منهن وجد طريق الخلاص وسلك نهجا جديدا نسال الله لهن الثبات وأن يعشن كي يرين أبنائهن وأحفادهن في دولة العدل والقانون والكرامة للجميع بعيدا عن العنف والاستغلال العائلي والمجتمعي والفساد الأخلاقي.
كنت أتمنى أن أرى أعضاء النواب وهم يبحثون عن أفضل السبل لإيجاد حلول لهن ولغيرها من الشرائح الهشة والتي يدلل وجودها على فشل المنظومة الاقتصادية والمجتمعية لعقود خلت. ولعل جائحة كرونة تكون إنذارا للجميع من أجل سلوكات اجتماعية راقية وإيجاد حلول لهؤلاء “المنسيين أو المنبوذين بحسب تعبير بعض النواب” وإني أقترح إيجاد مشاريع تساعد في تمويلها الصناديق التنموية والمجتمع المدني من أجل مجتمع لا يستثني أحدا ولا يعادي أحدا وأدعو بإلحاح الابتعاد عن وصف أو إهانة الشرائح المجتمعية أو كل ما من شأنه أن يزيد من التباعد بين الناس والفئات ويعمق التفرقة لخدمة أجندات أعداء الوطن والثوابت والقيم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.