عبد اللّطيف درباله
في انتظار ما ستفعله “الدولة القوية والعادلة”.. على المذهب الفخفاخي.. لرجل أمن مكلّف بتطبيق القانون.. استعمل قوة الدولة بطريقة غير عادلة.. للتشهير ولإهانة مواطن تونسي خرج عن القانون..!!!
أكثر ما أضحكني هي التبريرات الحكوميّة.. وشبه الحكوميّة.. أو الصّادرة عن بعض أبواق البروباغندا للحكومة.. في محاولة تبرير فضيحة إغلاق الحدود البريّة للبلاد في وجه مواطنين تونسيّين عالقين على بوابة رأس جدير.. طيلة أسابيع.. بأنّ مردّ ذلك هو مخاوف من وجود إرهابيّين ودواعش بينهم..!!

وكأنّه حتّى بافتراض شبهات وجود مجرّد عشرة أو عشرات الأشخاص المشبوهين أو المطلوبين أمنيّا.. فإنّ ذلك يبرّر ترك مئات التونسيّين مرميّين أمام “باب البلاد”.. في العراء وفي البرد وفي ظروف إقامة سيّئة جدّا.. بدون لا مال ولا مؤونة ولا غذاء ولا عناية طبيّة.. في بلد يعيش حربا.. وفي وقت انتشار عدوى الكورونا..؟؟!!!
يعني الحدود البريّة.. التي يبلغ طولها آلاف الكيلومترات.. والتي يعلم الجميع أنّه برغم كلّ الاحتياطات والجهود الأمنيّة والعسكريّة.. فهي مفتوحة فعليّا في وجه اختراقات الكناتريّة والإرهابيّين والدّواعش الحقيقيّين.. صباحا مساء كلّ يوم.. سواء من الجهة الشرقيّة الليبيّة.. أو من الجهة الغربيّة الجزائريّة..!!
ورغم ذلك يحلو للبعض أن يصدّق بأنّ هناك داعشيّين نائمين في العراء طيلة أسابيع.. ينتظرون في الطوابير.. بانتظام وصبر وهدوء.. أن تفتح لهم السّلط التونسيّة بوّابة الحدود للدّخول إلى تونس.. وأن يعبروا الرّقابة الأمنيّة التونسيّة.. ويختمون جواز السّفر فرحين مسرورين..؟؟؟!!
ما أدهشني أكثر ليس أبواق البروباغندا الحكوميّة المضحكة التي تروّج لذلك.. فهي تؤدّي عملها المكلّفة به.. وإن كان أكثرهم متطوّعين مجّانا.. وربّما تلقائيّا.. للدّفاع عن كلّ خطأ وتقصير حكومي..!!
ولكنّ ما أدهشني أنّ مواطنين يفترض أنّهم في مستوى معيّن من التعليم والتفكير والنّضج والوعي.. يصدّقون مثل تلك الترهّات.. ويتداولونها ويعاودون نشرها.. ويبرّرون بها تقصير وخطأ الدّولة الشّنيع في حقّ أبنائها.. بغلق أبواب الوطن في وجه مواطنيه..!!!
طبعا تلك الأوهام سرعان ما غذّتها لقطة فيديو لشخص تكلّم بطريقة هستيريّة بخطاب متطرّف يسبّ ويهدّد فيه الدّولة ويعد بتحرير فلسطين..!!
فقد وجدوا أخيرا الدّليل الدامغ لبراءة الحكومة من فضيحة الدّولة التي ارتكبتها..!!!
ثمّ وفي خطأ يتجاوز الخطأ الذي وقع فيه ذلك المواطن.. لأنّه صادر أصلا من رجل قانون يفترض أنّه يسهر على تطبيق القانون لا أن يخالفه..
يقوم بعض رجال الأمن بتجاوز القانون.. ويخرقون قواعد عملهم.. وينشرون صورة لذلك الشخص وقد أجلسوه على الأرض بطريقة مهينة.. وبدا خائفا ومنكسرا.. قاصدين إذلاله والتشهير به وبثّ “الشماتة” ضدّه.. للدلالة.. بحسب اعتقادهم السّخيف الضيّق.. على الإنتصار العظيم للدّولة التونسيّة..!!!
هو في الحقيقة.. لو كان هناك فعلا انتصارا للدّولة.. لرأيناه في قدرة الدّولة على احتضان ألف أو ألفي مواطن من أبنائها.. حال أن دقّوا بابها هاربين من الخوف والخطر والموت والبرد والجوع.. فتأويهم من جوع وتطعمهم من خوف..!!!
أمّا الأساليب العتيقة المهينة من ضروب سوء المعاملة القذرة.. التي تذكّرنا بالدّولة البوليسيّة قبل الثّورة.. فهي مرفوضة بتاتا.. أيّا كانت الأسباب والدّوافع وجريمة المواطن..!!
ولا تعدّ بحال.. لا إنتصارا للأمن..!!
ولا إنتصارا للدّولة..!!
وتماما.. كما أنّ المواطن الذي تفوّه بتلك العبارات والتهديدات سيقع تتبّعه قانونيّا وقضائيّا ومحاسبته وربّما معاقبته.. حتّى ولو كان حينها مدفوعا بحالة هستيريّة وبغضب جامح.. اتّجاه دولة لفظته حكومتها.. وعاملته “كالكلب”.. فأهملته وتركته مرميّا على حدود وطنه.. لأسابيع طويلة.. في ظروف قذرة وخطيرة وغير إنسانيّة..
فإنّ محاسبة من أخطأ في إهانته وتصويره ونشر صورته بذلك الشّكل على مواقع التواصل الإجتماعي من رجال الأمن.. هو واجب.. لمقاومة هذه النّزعة المتسلّطة التي لا يزال بعض الأمنيّين يعانون منها من مخلّفات أمراض عهود الديكتاتوريّة والتسلّط الأمني والقهر البوليسي للمواطنين.. حتّى ولو كانوا متّهمين أو مجرمين..!!!
سننتظر ما ستفعله هذه “الدولة القويّة العادلة”.. كما قال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ.. اتّجاه رجل أو رجال الأمن.. الذّين كانوا مسؤولين عن التقاط وتسريب تلك الصّورة المهينة.. وليست المهينة فقط للرجل.. وإنّما المهينة أوّلا وأساسا للحكومة.. وللجهاز الأمني ذاته ما بعد الثّورة.. من مركز أمن سيادي.. يمنع القانون فيه إهانة وإذلال المواطنين.. ويمنع كشف هويّة أو صور المتّهمين.. مهما كانت تهمتهم أو جريمتهم..!!!
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.