الجمعة 11 أبريل 2025
المعز الحاج منصور
المعز الحاج منصور

في وطني.. أطباء يحتكرون الدواء..

المعز الحاج منصور

المصحات للأغنياء.. والموت للفقراء.
في تصريح مثير للدهشة..
رئيس نقابة المصحات الخاصة يقول:
“.. على مريض الكورونا أن يدفع 30 مليون مسبقا للتداوي بالمصحات الخاصة.. لأن المصحات مؤسسات اقتصادية..”.

الطبيب بوبكر زخامة أعلن ذلك بكل وقاحة وأنانية.. مؤكدا أن أصحاب المصحات الخاصة لن يسمحوا بالتداوي مجانا في مصحاتهم.. لأن تلك المصحات إنما هي مؤسسات اقتصادية ربحية حسب رأيه.. بمعنى آخر ليست هي مصحات إنسانية واجتماعية.. ومن يدخلها.. عليه أن يدفع المال..

لكن.. من لأولئك الفقراء.. ؟
من للطبقة المتوسطة.. حتى من كبار الموظفين في الدولة..؟
لن يقدروا على دفع 30 الف دينار لقاء التداوي.. ؟
وتأسيسا على ذلك فإن المريض الذي لا يملك ثمن التداوي.. لا حق له في العلاج في تلك المصحات..
بمعنى اخر يجوز ان يترك المريض مهملا يعاني أوجاع المرض حتى الموت.. ويجوز للطبيب وللمصحة أن تمتنع عن مداواة ذلك المريض لأنه لا أموال له..
انه نظام صحي غير عادل.. نظام صحي تمييزي وعنصري.. يقسم المجتمع الى طبقتين.. أغنياء لهم الحق في الحياة وفي التداوي.. وفقراء لا حق لهم في الحياة وفي الدواء.. إنها معادلة يؤمن بها زخامة ومن يمثلهم.. من أثرياء الحروب.. وهذه المعادلة هي لب الخلاف.
وباء الكورونا.. هذا الطاعون تحول إلى غنيمة حرب لدى أصحاب المؤسسات الخاصة.. فشحذوا سكاكينهم واستعدوا للذبح.. والتشريح.. وربح المال الوفير.. زمن الحرب… فمنهم يحتكرون الدواء.. ويحتكرون الأجهزة الطبية وأسرة الإنعاش.. ويحتكرون المعارف الطبية..

بوبكر زخامة
الطبيب بوبكر زخامة

كيف نفسر انك ايها الطبيب الوطني جدا.. تشترط على مريضك مبلغا ماليا مشطا وهو بين الحياة والموت..؟
هل تطلب صكا على بياض.. وقد مارستم هذا الصنيع زمنا طويلا ؟
هل تطلب أن أرهن عقارا.. أو ذهبا.. أو أن ابيع سيارتي.. مثلا.. ؟
فإن كنت فقيرا معدما.. أ فلا تداويني.. اذا رفضت.. فأنت محتكر.. لا بل مجرم.. وقاتل..
حتى تمنحني الحياة..

لقد عبر بوبكر زخامة عن أفكار رأسمالي متوحش.. يرى أن مهنة الطب هي طريق للإثراء وتحصيل الربح الأوفر.. هي عنده مهنة بلا أخلاق ولا إنسانية.. هي علم أو صنعة تباع لقاء المال..
ومن أعجبه فقد أعجبه.. ومن عارض فليشرب من ماء البحر..
السؤال هنا :
هل يمكن أن يدعي صاحب هذه الأفكار انه إنسان وطني..؟
هل يمكن له أن يزعم أنه يضحي من اجل وطنه تونس ومن اجل أهلها وناسها..؟

تاريخ الرجل حافل بالانتهازية وأمثاله يسيطرون على قطاع الصحة في تونس..
فقد تقرب من الحزب الحاكم السابق.. من أجل الحصول على جزء من السلطة التي تساعده على حماية ثروته وتنميتها..
وبلغ رتبة عضو بمجلس المستشارين..
وكان في الأثناء يراوح بين مهنة الطب وبين أعمال السمسرة والمضاربة في العقارات خاصة بجهة رواد من ولاية أريانة..
زاده الله من خيره..

وفي انتخابات 2019 ترشح رئيسا لقائمة عبير موسي بأريانة في التشريعية.. وتحصل على رتبة نائب بفضل أموال طائلة شرى بها ذمم الفقراء..

الطبيب زخامة.. الكفاءة وفاعل الخير.. الثري.. وافر المال ومالك مصحتين خاصتين… دلتا.. وقرطاجنة..
فاز بمقعد في مجلس النواب.. لكنه ما فعل ذلك اقتناعا بالأفكار الخارقة لعبير موسي.. وإنما طمعا في الوصول إلى السلطة.. وكان يراهن على إمكانية الوصول الى مربع من مربعات الحكم.

وحين تأكد أن عبير موسي اكتفت بالمعارضة.. وكثر ضجيجها وصدامها مع خصومها.. خشي من فضح ملفاته في سياق الصراعات السياسية.. وقدر انه لتفادي المراقبة الجبائية المعمقة.. يجب الاستقالة.. فاستقال من مجلس النواب.. اتقاء لانتقام خصوم عبير منه… وضمانا لمصالحه المهنية والمالية..

وكان الرجل قد تورط سابقا في قضية بيع وتركيب اللوالب القلبية الفاسدة.. في المصحة التي يملكها “قرطاجنة” حيث تورط معه عدد 5 أطباء… حيث بيعت لوالب قلبية فاسدة زرعت في أجسام الضحايا من المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية في مصحته.. ومات منهم من مات..
لكنه تمتع بالحصانة من التتبعات القضائية… انه بوبكر زخامة.. بجلالة قدره.. رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المصحات الخاصة وعضو المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف.

تذكر الأخبار أنه تمعش طويلا من الحرب الأهلية في ليبيا إذ خصص مصحته لمعالجة جرحى الحرب للميليشيات المتصارعة.. لقاء أسعار خيالية تدفع بالعملة الصعبة.. دون أن يسدد ضرائب للدولة..

وبصفته النقابية كان قد أشرف على عملية التفاوض صحبة صهر الرئيس الباجي معز بلخوجة.. أي التفاوض مع الأطراف الليبية المتصارعة لاستخلاص ديون المصحات الخاصة والتي فاقت 250 مليون دينار .. ولا نعلم كيف وزعت تلك الأموال..

اليوم.. وفي زمن الوباء القاتل… يرفض الطبيب المختص في الأمراض الصدرية بوبكر زخامة التطوع لمداواة أبناء الشعب التونسي.. ويشترط تسديد 30 مليون مسبقا للحصول على حق التداوي..
ونسي انه درس مجانا في المدارس والجامعات العمومية بتمويل من مال الشعب التونسي.. حتي اصبح طبيبا…

ونسي انه يتمتع بكل مرافق الحياة السعيدة بفضل أموال الشعب التونسي.. بما فيها تمتعه بقروض ضخمة من بنوك عمومية..
ونسي انه ينعم بامتيازات ضريبية واستثمارية خولت له الاستثراء وجمع المال في سرعة..

اليوم يرتكب جريمة رفض مداواة مريض مهدد بالموت.. والامتناع عن انجاد جريح زمن الحرب.. وهي من أكبر الجرائم..

لعل الحاجة باتت ملحة اليوم لمراجعة النظام الصحي في تونس..
وذلك بفرض رسوم وإتاوات على ثروة الأطباء وأصحاب المصحات الخاصة.. وان تخصص تلك الأموال لدعم الطب العمومي..

مع فرض قيود على إسناد رخص بعث مشاريع المصحات الخاصة وإخضاعها للسلطة المباشرة لوزارة الصحة.. ولأعمال التفقد الصارمة..
فضلا عن ذلك الدعوة لمراجعة النصوص القانونية المتعلقة بما يسمى بالأخطاء الطبية.. والتي توفر حماية للطبيب من تحمل تبعات وفاة المريض أو حدوث مضاعفات له.. وتحويلها إلى جرائم إهمال مهني في الحد الأدنى.. وتشديد العقوبات الزجرية على كل طبيب يمارس الاحتكار أو الغش أو التحيل في مهنته..

اليوم.. تحتاج الدولة في مواجهة الوباء الى حماية أرواح مواطنيها بكل الوسائل الممكنة.. وهي ضرورة قصوى..
والضرورات.. تبيح المحظورات..

إنها حرب وجود وبقاء وحماية للصالح العام..
هنا أصبح تنفيذ قرار تأميم المصحات الخاصة لازما وضروريا.. وإخضاعها لقاعدة التسخير لفائدة الدولة… وإلحاقها فورا بالقطاع العام وإلحاق ذمتها المالية بوزارة الصحة إلى حين انتهاء الأزمة.. مع منعها من استخلاص أية أموال من مرضى الكورونا وإلزامها بمداواتهم مجانا..
وبعد انجلاء الغمة والقضاء على الوباء.. يمكن إعادة النظر في مناهج إصلاح الصحة العامة حتى لا تتحول الى تجارة بأرواح الناس.. ويمكن تعويض أصحاب المصحات بما تراه الدولة صالحا من المال العام..
انها الحرب يا سادة.. ومن يمنع عن جيشه طعاما أو دواء أو سلاحا أو سيارة أو شاحنة أو زورقا أو الك أو مزرعة أو حيوانا.. فهو خائن..

بوبكر زخامة ومن معه من الأطباء.. انتم تمارسون الاحتكار.. بلغة مهذبة ونظارات رقيقة.. وبدلة بيضاء وأياد ناعمة..
لكن.. لا فرق بينكم وبين من يحتكر غذاء الشعب التونسي.. من يحتكر الزيت والسميد.. ومن يحتكر الدواء..
انتم محتكرون.. تلوثون قداسة مهنة الطب بالمال المتسخ..

صادروا المصحات زمن الكورونا .. فإنها ملك عام..


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق