عبد الحق الزمّوري
يمرّ اليوم صاخبا… بصمته المُطـْبِق، وهادرا… بهدوئه السائل، يندّ من بين أصابعنا فلا نعرف له وقفا ولا ندري له ردا. يجثُمُ فوق أنفاسنا، نفتقد سماع دقات القلب الرتيبة، ونلمس حفيف أجنحة خفيفة ترتفع بنا خارج أدراج الزمن…
قيمة هذا الحجر أننا فقدنا الزمن، عفوا… تحررنا من قيود عقارب الساعة. يبدو أننا نوجد في الغياب… أنهيت مقالة طويلة حول (بعوضة النمرود) ستنشر قريبا؛ كما أستمتعتُ بمحاورة لطيفة بين الأكرمين نور الدين العلوي وزهير إسماعيل حول موضوعة الدولة والبداوة، زادها تدخل بعض الأصدقاء لطفا وعمقا. سمحتْ لي تلك الفُسحة بمواصلة التدبر في الموضوع، كان لا يزال يؤرقني منذ سنوات… وكان رفيق الدرب عبد الرزاق الحمامي يعاني من تبرّمي من موضوعة الانتظام الاجتماعي العربي وعلى رأسه الدولة الوطنية؛ ثم أنهيت قراءة النص الفلسفي الرائع للصديق سالم العيادي بعنوان “كما لو أنّ الواحدَ كلٌ”، وفيه يتوقف عند ما يعتقد أنه الأكثر إحراجا وإرباكًا في الجائحة الحالية أي ما يتعلَّق بما بعد كورونا.
طبعا لم يكن ذاك الهدوء السائل ليحرمني من مناقشات عديدة مع عايدة حول سوسيولوجيا العبث اليومي، أو حول المعنى والعدمية، أو حول موت عار وخوف كامن… كانت تلك الفواصل هي ما يؤشر إلى حركتنا الواقفة، لم تعد الشمس والظل مواقيتنا…

ولكن يجب أن أعترف أن أجمل ما بدأتُ به يومي كان قصيدة جاد بها علينا زهير إسماعيل على جداره للمرحوم العزيز على قلوبنا عبد السلام بلهوشات رحمه الله وأسكنه جنان فردوسه، كان رجلا صنديدا، غيّبه الموت منذ سنوات عديدة، ولا تزال ذكراه بيننا كالعطر النديّ:
كان هنا يا سمراء
وهو يكتب اسمك بالعربيّة
يوصي بألاّ تبكيه إذا غاب
فزمن التغريب يفضي إلى الغربة
والغربة وعدٌ نبويٌّ
فعلام جفنك يبتلّ؟
وعد نبويٌّ…
فعلام جفنك يبتلُّ؟؟…
•••

بعد الفقرة اليومية التي أخصصها للترجمة، قررتُ -ابتداء من اليوم- العودة إلى كتب الياباني المرحوم توشيهيكو إيزوتسو، وبالتحديد إلى كتابيه: الله والإنسان في التاريخ / والمفهومات الأخلاقية الدينية في القرآن، إعادة للقراءة والتدبر والتفاعل مع الملاحظات التي دونتها في الهامش عند قراءتي الأولى.
اشتغل إيزوتسو على المفاهيم الأخلاقية في القرآن، وقسّمها إلى ثلاثة أصناف: صفات الله الأخلاقية / صفات تحدد موقف الإنسان من الله / مبادئ السلوك بين أفراد البشر.
وسأعود لاحقا بالتفكيك والتحليل إلى هذه الموضوعات في تفاعل مع المنهج الدلالي الذي يعتمده إيزوتسو.
أنهيت منذ قليل وضع اللمسات الأخيرة في مراجعة وإعداد دراسة أكاديمية (حوالي 10 آلاف كلمة) للنشر بعنوان (من ميليشيات إنكشارية إلى طبقة حاكمة؛ الجُند التركي في “الأجوبة” العظومية 1574 – 1604 م) وفيها أجيب عن سؤال معالم تشكل الحكم التركي في تونس في السنوات الثلاثين الأولى، وهو موضوع غير مطروق في الدراسات التاريخية لنقص المصادر و”هيمنة” بعض الأفكار الخاطئة في الأكاديميا التونسية عن تلك المرحلة.
إلى اللقاء
(الصور: عبد السلام بلهوشات وتوشيهيكو إيزوتسو)
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.