ليلى حاج عمر
هذا الصّباح زارني ضيفان خفيفا ظلّ. اخترقا الحجر الصحي ودخلا بيتي. الأول دودة ودودة عثرت عليها وأنا أفصّص الجلبّانة. مزيانة. خضراء مثل الكيوي. من فرطي فرحي بضيفتي وضعتها على سبابتي ولم أكن من قبل أمسكت دودة. يا إلهي كم كنت أقرف من الدود. ولكنّ هذه الدودة أحببتها. لعلّها أعراض الحَجر.
تأمّلتها وقلت لها: مرحبا دودتي. وخيّل إليّ أنّها تقبّل إصبعي ولكنّي وأنا أرتدي نظّارتي أكتشفت أنها ربّما قد عضّتني بأسنانها البلورية الدقيقة وأنّها أجابتني بطريقتها الدودية: من أنت وماذا تريدين؟ ـ لا شيء أريد أن نصبح أصدقاء يا دودة. ـ أصدقاء؟ أنت مخيفة يا امرأة.. وزيد عندكم كورونا. ورأيتها تتثنى وتتمطّى وتتلوّى ثم تقع في الجفنة وسط حبّات الجلبّانة وتختفي. بحثت عنها فأنا لا أريد أن آكلها. أريدها صديقتي في حَجري. فرّقت حبّات الجلبّان بأصابعي وانتبهت إلى أنّها قد طوت نفسها مثل حبّة خضراء وخمدت. حملتها برفق ووضعتها على الطاولة وخيّل إليّ أنّها تبتسم في مكر. ماذا تنوين يا دودة كوني عاقلة؟ ـ لا أحبّك يا إنسانة يا متوحشة. وتغمض عينيها وتتظاهر بالنوم فأقول لها مازحة: نامي ولا تشخري. فتفتح عينا واحدة وتمدّ لسانها. أضحك وأنا أتذكّر أنّي أنادي أختى هدى دودة. وأني لم أر دودة أختى منذ شهر. وأنّ البارحة عيد ميلادها ولم نحتفل. في انشغالي بالذّكرى والتفصيص لم أجدها. كانت قد غادرت إلى مكان ما. وحزنت. لأول مرة أحزن على دودة.
وأنا أنظّف أوراق السبانخ التقيت ضيفي الثاني: حلزونة أمّورة. صرخت: حلزونة.. حلزونة، فأدخلت بسرعة رأسها في قوقعتها ولم تبق سوى قرونها الصغيرة تتحرّك في كلّ الاتّجاهات. حملت ورقة السبانخ بحلزونتها ووضعتها على حافة النافذة حتى ينعم ضيفي بالشمس والهواء. وعدت إلى سبانخي وأنا أتذكّر طبخات الحلزون التي أكلتها وأنا صغيرة. ممم كم كانت لذيذة. وشعرت برغبة فعلا في صحن حلزون شهيّ كما كانت تطبخه أمي حفظها الله ورائحة التوابل تفوح في البيت. ولكن.. ولكن هذا الحلزون الصغير الوسيم.. هذا الحلزون سيكون صديقا وسأربيه. إن كانت أنثى ستلد حلزونات صغيرة وسيصير عندي شعب من الحلزون. ولن آكله. أعدك. وشرعت أردد أغنية للأطفال عن الحلزون: دبّ الحلزون فوق حجاره ** من أين أتى يحمل داره؟. وخطر ببالي فجاة أن ألتقط له صورة. ستكون صورة جميلة وسأضعها في ستوريّ المهجور. وسأكسّر الدنيا بصورة حلزوني. ستكون أجمل صورة لأجمل حلزون. وأنا أسرع إلى هاتفي وأعود إلى النافذة وجدته قد اختفى. وعجبت لسرعة تنقله. ماذا حدث للحلازين في هذا الزّمن أيضا؟ جالت عينيّ في كلّ أجزاء النافذة ولم أجده. غاب في الزحام. غاب.. مخلّفا وراءه الجريدة.. وحيدة.
والآن أجلس كما يليق بامرأة في زمن الكورونا. دون دودة، ولا حلزونة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.