محمد الصّالح السّعدي
2. هل سنغرس الفسيلة؟
أخبار كورونا اليوم عندنا غير سارّة. فعدد المصابين الجدد بها خمسة عشر ممّا يرفع جملة المصابين إلى أربعة وخمسين بالتّمام والكمال، وعدد وفياتها في العالم وخاصّة في البلدان المجاورة لنا كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا لا يتوقّف عن الازدياد بشكل مروّع. هذا يعني أنّ الخطر قد تزايد وأنّ إمكانيّة انتشار الوباء على نطاق واسع قد أصبحا مؤكّدا وأنّ دورنا قد اقترب. ربّي يستر. لكن هل تفهم كورنا الدّعاء خاصّة وأنّ الجوامع والكنائس قد أقفلت أبوابها وتركت روادها يواجهون مصيرهم فرادى متفرّقين. ماذا بقي لي ولمن هم في سنّي أن ينتظروا من الأيام القادمة؟ هل يحقّ لي بعد هذا أن آمل في شيء؟
آه، تذكّرت، عليّ أن أهاتف الآن سي الصّحبي أمين مال الجمعيّة وسي عبد الباقي كاتبها العام لأنسّق معهما موعدا للتّلاقي لنتتم إجراءات التّبرّع. ألم نتفق بالأمس على ذلك؟
أسرعت إلى هاتفي الجوّال وقضّيت وقتا لا بأس به لمعالجة تلكّؤاته التّقنيّة إلى أن توافقنا على الموعد. عندها أخذت “زينتي” واتّجهت إلى حيث ينتظرني الصّحبي بسيّارته الّتي أعدّت خصّيصا لمن هم في وضعيته الصّحيّة باعتباره من ذوي الإعاقات الحركيّة. وجدته يضع، على غير عادته، كمامة التّوقّي من العدوى. وكالعادة تبادلنا التّحيات ولكن بدون مصافحات ولا قبل طبقا لتوجيهات الأطبّاء. وتفاهمنا، في جوّ مرح، على ما سنفعله بعد الاتّصال بعبد الباقي الّذي كان ينتظرنا عند كهربائي السّيارات حيث ينتظر دوره لإصلاح أعطاب “مرسداسه” العجوز. التقينا وتصاحبنا في سيارة الصّحبي إلى نقاط بيع مادّة “الجافال”. ونحن نتنقّل من نقطة إلى نقطة حصلت عديد المشاكسات وعديد المضحكات وعديد المواقف المخيفة وعديد المواقف المفرحة. فالنّاس يتسارعون إلى اقتناء حاجياتهم أو ما يعتقدون أنّهم قد يصبحون في حاجة إليه في الأيام القادمة لينجيهم من الموت وأهمّها مادّة “الجافال”. فقد صدّقوا بسرعة أن هذه المادّة الحارقة هي سلاحهم الفتّاك ضدّ كورونا وقارب نجاتهم الأخير من القبر. وبعد محاولات فاشلة وجدنا ضالّتنا في مغازة الشّريشي، ولكن الصّف كان طويلا نوعا ما وإمكانية الحصول على الكمّية الّتي نطلبها كاملة كانت ضعيفة. ورغم استعمال الصّحبي لأولوية ذوي الإعاقات لم نفلح في الحصول إلّا على القليل ممّا نريد. لكن بسرعة نسّقنا هاتفا مع المعلم سامي وتوجّهنا إلى نقطة بيع بالجملة تابعة له. هناك اقتنينا كمّيتنا وتوجّهنا مظفرين إلى قصر البلديّة.
هناك استقبلتنا الكاتبة العامّة بحفاوة واستبشار وشكرتنا على المبادرة. وأمرت بعض العملة الّذين يشاركون في حملة تعقيم المدينة بإفراغ الحمولة. وبعد الإفراغ أخذت لنا صورا فوتوغرافيّة حول صفائح الجافال الّتي جلبناها. كم أنت عزيز أيّها الجافال. كلّ الحاضرين تحوّطوا بصفائحك المنشورة في ساحة البلديّة ليظهروا في الصّور ويضمنوا “خلودهم” بجوارك سواء على الصّفحات الإلكترونيّة أو الصّفحات الورقيّة. وكم أنت تافهة وضعيفة يا كورونا، فرغم تهديداتك وتخويفاتك وتوعّداتك استطعنا أن نغرس الفسيلة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.