الطريق إلى محتشد رجيم معتوق
الخال عمار جماعي
صباح الأنوار على الأخيار
أمّا بعد …
فلكلّ كتاب -كما يقال- قصّة ! وقصّة “الطريق إلى محتشد رجيم معتوق” قد بدأت في شتاء 2013… عندما دخلت احدى الفضاءات الكبرى وانتبهت لمجلّة كانت معروضة بإسم “أكاديميا” صادرة عن جامعة منّوبة آنذاك بعنوان ضخم “تجربة الطلبة المجنّدين برجيم معتوق” ! اقتنيت العدد وانزويت في مقهى قريب وبدأت أقرأ تفاصيل الملفّ… فوجدت شهادات لرفاق لي أعرفهم ! غير أنّي اصطدمت بكثير من المغالطات “المقصودة” (استعمل المدعو بوغلاّب إحدى الشهادات لصديق أتجاوز عن ذكر إسمه !)…
في الحقيقة أزعجني التوظيف السياسي لتجربة مؤلمة لا يعرفها إلاّ من عاشها وعاشر أصحابها وشهد لحظات ضعفهم وتقاويهم وليس من رأى كمن سمع ! ووجدتني أقول لنفسي: “أنت أولى من هؤلاء بالحديث وأصدق ! ففي النّهاية هو جرح قديم وآن أوان مواجهته… فقد تكتّمت عليه طيلة ستّة وعشرين عاما من رعب العودة إليه”!
كانت ساعتها شعارات الثورة لا تزال عالية ومغرية بفكرة تصفية الحساب مع الماضي وإعادة الاعتبار والاعتراف بتاريخ غير تاريخ السّلطة ! فعزمت على الكتابة ولم أكن والله أخشى إلاّ “أن أجعل من نفسي بطلا !” والنّفس كما نعلم معجبة أبدا بنفسها !… لهذا أوّل ما كتبت: “ما أردت في زمن ” الغنائم” القريبة أن أجعل منّي -ومن أنا ؟- بطلا ولا منكم “وجعا” في ضمير بلد كلّهم يدّعي فيه أنّه قال “لا.. لبن عليّ” !
لم يكن أمامي عندما عزمت إلاّ صفحة فايسبوكيّة تكاد تكون مغمورة في ضوضاء الأحداث السياسيّة ولم أكن أطمع بأكثر من حديث النّفس إلى النّفس كمن يبرأ لها من ذنب ! والتزمت يوميا بموعد لا أخلفه إلاّ لظرف قاهر أكتب فيه حلقة لا أخطّط لها بقدر ما آخذ خيط الحكي وأمدّه ! ومن الطريف أنّي كنت مرّة أجالس صديقيّ الصحفي “بن حسين” والمهندس داوود فالح في مقهى بباب سعدون لاعداد مقال حول هذه المذكرات العجيبة التي أكتبها، حتى أزف موعد الحلقة… استأذنتهما قليلا وفتحت حاسوبي، قالا لي: “ماذا تفعل ؟” قلت: “سأكتب الحلقة الجديدة !”… فظلاّ يتعجبان وأنا أكتب مباشرة بدون تفكير !
وانتبهت إلى انتشار الحلقات بشكل ملفت بل أصبح البعض يستنهضني كلّما اقترب موعد نشرها، بعضهم يقول لي: “كل العائلة تنتظر الحلقة” ! كان هذا يشجعني فعلا ويهبني شرعية لم أكن أنتظرها من الدّولة ! حتى آذنت الحكاية بالنّهاية…
وعليّ أن أعترف أنّي بكيت في بعض المواقف وضحكت في بعضها وتألمت في كثير منها غير أنّي كنت أكثر ما أخشاه أن لا أنصف رفاقي في تجربة بمرارة “محشد رجيم معتوق”… ولعلّني فعلت ! لكن ما أنا على يقين منه أنّي كنت أحرص على الموضوعيّة والحياد، وإن تعلّق الأمر بلحظات ضعفي !
والله على ما أقول شهيد !
“الخال عمار الجماعي”