النظام الأميركي يعيش أزمة دائمة منذ تأسيسه
أحمد القاري
فهو قائم على توازنات فيها عناصر غير ديمقراطية. مثل مجلس الشيوخ الذي تتساوى فيه ولايات ليست متساوية من حيث عدد السكان.
هذا النظام يعيش حالة من النزاع الدائم بين مستويات الحكم الثلاثة المحلية، الولائية والفدرالية. ونزاعا دائما بين فرعي الحكومة التشريعي والتنفيذي فدراليا. ولولا الاحتكام الدائم للفرع الثالث أي القضاء لكان النظام انهار مبكرا.
النظام الأميركي عاش أزمة لم يتمكن من تجاوزها إلا بالعنف وهي مشكلة التعامل مع أحكام الرق قانونيا فدخل الشمال والجنوب حربا طاحنة دمرت البلاد وقتل فيها 2.5 في المائة من السكان. حرب قادها منتخبون وكان قراراتها تتخذ بطريقة “ديمقراطية” في الشمال والجنوب المتصارعين. وحسمت الحرب من طرف الجانب الأقوى دون تفاوض.
لاحقا ظل النظام الأميركي يعيش أزمات متوالية من جميع الأنواع. وظل توسع البلاد جغرافيا ونهبها لثروات الشعوب الأخرى والإنفاق الواسع القائم على الاستدانة عوامل تمتص حالات التأزم وتقنع الأغلبية بالقبول بالوضع القائم أملا فيما هو أفضل.
وطوال تاريخ تجربة الجمهورية الأميركية كان كل تغيير يتم بأعسر الطرق. الحقوق المدنية لم تأت إلا باحتجاجات استمرت لسنوات سالت خلالها دماء كثيرة. تصويت النساء حسم بعد شد وجذب. والبنك المركزي انهار مرتين. ونظام العملة مر بعدد كبير من المراحل والإفلاسات. والأزمات المالية اعتبرت تصحيحات دورية ضرورية تتحول فيها ثروة الشعب إلى هباء.
الحروب الأوربية اشترت لأميركا زمنا ثمينا جدا. وفرصة لمد النفوذ وامتصاص الثروة الأوروبية مقابل الأسلحة والتموين.
والاتحاد السوفياتي أعطي للسياسيين الأميركيين مبررا جيدا لتمرير ما يريدون من سياسات وتبرير إنفاق بلا حدود. الإنفاق العسكري وبرامج المساعدات المشروطة لدول العالم أنهكت الاتحاد السوفياتي ودفعته للانهيار ليدخل العالم في زمن العافية الأميركية حيث السلم مقابل الخضوع لشروط الدولة السيدة.
اليوم نحن على أعتاب مرحلة جديدة. فقاعة الديون وصلت مداها. والتناقض بين الليبراليين والمحافظين اتسع فتقه على الراتق. وعوامل امتصاص التوتر توقفت. لا حروب ولا غزو ولا توسع. مع انكماش شديد في الإنتاج الصناعي وفقدان لميزة التفوق الكبير على باقي العالم ماليا وتقنيا.
العنصر المتبقي هو الدولار الذي ما زال يشتري السلع والخدمات من العالم دون أن يكون له أي مقابل في خزائن الاحتياطي الفدرالي. وهي ميزة يبدو ترامب مصرا على القضاء عليها بتضييقه على الواردات ومحاولته أكل الحلوى وثمن الحلوى معا.
ومع الأزمة الحالية التي يصطف فيها كل حزب بشكل تام إلى موقف مناقض للحزب الثاني، وفي ظل رئيس أرعن، كذاب، أثبت بسلوكه أن أميركا دولة المنتخبين وليست دولة المؤسسات، تبدو الشروط مثالية لأزمة وجودية للاتحاد الأميركي. وأفضل وقت لحدوث الأزمة هو وقت تنشغل فيه الأمة الأميركية بمحاكمة رئيس لا يكف عن توجيه الشتائم للكونغرس ويعتبر الصحافة عدوة للأمة.
تكفي أي قشة لتقصم ظهر البعير المترهل.