صُنّاع السياسة الرجل وذيله..
نور الدين الغيلوفي
حين أشاهد صورة محمّد عبّو يتبَعُ صدرَهُ وفي ذيله محمّد الحامدي يجرّ معطفَهُ الوحيدَ تفصلهما مسافة تحكي مسافة ما بين قلب الجيش وساقَتِهِ في جيوش الغزو القديمة، عند بوّابة دار الضيافة يهُمّان باقتحامها… حين أرى محمّد عبّو ينفش ريشه ومحمّد الحامدي ينفض أطراف معطفه في ترجمة نادرة لكيف تُصنع سياسة الاقتحام في زماننا، لا أملك إلّا أن أرثيَ لسياسة يعبث بها الصبيان.. هؤلاء العابثون يصدّقون بلهوِهم بالسياسة قول رضا لينين فيهم ونبوءته بتلاشيهم.. قريبا جدّا…
يبدو أنّ بعض الوجوه الصاعدة على أكتاف الكبار مع الثورة في لحظاتها الأولى أغراهم وقعُ أسمائهم في أسماعهم.. وفي لحظة ما من نشوتهم بأنفسهم قرّروا فتح دكاكين حزبيّة يديرونها بأسمائهم “علاش لا؟”.. وتناسلت الأحزاب ونالت الرُّخَصَ.. وصرنا نرى من الأحزاب ما يفوق “أكشاك” البقول الجافّة في شارع باريس…
فتح هؤلاء القادمون على ظهور الكبار دكاكينهم وتكلّموا بما أغرى الناس بانتخابهم لعلّ حال البلاد أن ينصلح وعجلة الحياة بها أن تدور على أيديهم وبأعمالهم…
دخل هؤلاء البرلمان ولكنّهم أخلدوا إلى شهوة ركبتهم لا تفسير لها في ورشات العمل السياسيّ… الحكم يغري ولكنّه ينزِف.. ومن يتصدّى إليه في مثل هذا السياق سيدفع ثمنا عاليا من شعبيته وسمعته بحجم ما يفصل الأقوال عن الأفعال في ظلّ إكراهات بحجم تَرِكة دولة الفساد والاستبداد الكبرى.. وإذن فليس أفضل من أن تجلس على “كرسيّ الكلام” آكلًا شاربًا لا تعتني من الأمر بغير نبرة صوتك ترعاها.. ترفعها وتخفضها بحسب ما يمليه عليك “واجب الصراخ”…
لا نهضة.. ولا فشل.. ولا نجاح.. ولا قديم.. ولا جديد.. ولا ثورة.. ولا دياولو.. ولا يمين محافظ.. ولا يسار اجتماعي.. ولا فساد.. ولا “يحزنون”…
حسبُك من اللحظة أن تكون ذا لسانٍ…
اللسان لا سلطان عليه.. تكلّم بما يطرب له الناس.. سيرونك.. وسيصفّقون لك في سرّهم وسيتداولون مقاطع أقوالك.. وسيشيدون بفحولتك ذَكَرًا كنت أو أنثى…
لا فرق…
المرء وصراخه..
المرء وحنجرته..
المرء وعضلة لسانه…
في انتظار عهدة قادمة.