الثّورة الملهمة ومرحلة الرّجل المريض
صالح التيزاوي
غير مجد في ملّتي واعتقادي (هكذا نطق المعرّي) الإختلاف على التّأريخ الصّحيح للثّورة التّونسيّة، هل هي يوم 17 ديسمبر تاريخ إندلاع شرارتها من سيدي بوزيد، تضامنا مع الشّاب “البوعزيزى” الذي أضرم النّار في جسده احتجاجا على ظلم الدّولة لمواطنيها والتّضييق عليهم في معيشتهم، أم يوم 14 جانفي تاريخ هروب بن على.. فنحن قوم اعتدنا أو عوّدونا أن ننشغل بحقائر الأمور وسفاسفها من نوع (عركة مريم الدبّاغ وعربيّة) والعراك بين أبناء الثّورة أنفسهم على توزيع الحقائب الوزاريّة، نغلّب التّافه من الأمور على قضايا البلاد الحقيقيّة والجوهريّة.
يكاد يجمع المهتمّون بشأن الثّورة التّونسيّة أنّ ما حصل بين تاريخ 17 ديسمبر و14 جانفي من أحداث كان ثورة حقيقيّة، سرعان ما تحوّلت إلى ثورة ملهمة لسائر الشّعوب العربيّة التي تقاسمت معنا الشّعور بالمهانة تحت حكم أنظمة باطشة واستبداديّة. فكانت الثّورة التّونسيّة شاهدة على الشّعوب العربيّة ومحرّضة لهم على الإطاحة بأصحاب العروش والكروش وأصحاب السّعادة والضّخامة وأعطت الشّعوب العربيّة الأمل في التّغيّر والتّغيير والحرّيّة والتّحرّر.
كما أعطى من قبلها الشّابّي للشّعوب العربيّة وغيرها من شعوب الأرض القابعة تحت احتلال الرّجل الأبيض المزهو بعنصريّته، قابض الأرواح، وناهب الثروات، أعطاها الأمل في فجر جديد إن هي آمنت بحقّها في الحرّيّة والكرامة.. رمز آخر من رموز الإلهام في الوطن العربي وهو الشيخ عبد العزيز الثّعالبي الذي أصدر عام 1920 كتابه “تونس الشّهيدة”، حيث قدّم بالأرقام الحالة المزريّة التي آل إليها الشّعب التّونسي تحت الإحتلال. وقد قال بورقيبة عن الكتاب حين قرأه: “شعرت بالإهانة النّاتجة عن الإستعمار”. ولئن قابلت سلطات الإحتلال كتاب الشّيخ بالقمع حيث اعتقلته واعتبرت كلّ قارئ له عدوّا لفرنسا، فإنّ الكتاب زاد من حماسة التّونسيين الذين آمنوا بفكر الشّيخ والتفّوا حوله فأسّس معهم “الحزب الحرّ الدستوري” الذي قاد الكفاح ضدّ الإحتلال الفرنسي.
تونس الملهمة للشّعوب العربيّة في معانقة أشواق الحرّيّة زمن الإحتلال وزمن الإستبداد، تقف اليوم بثورتها بعد أن أسقطت مثيلاتها، وهي النّاجية الوحيدة في الوطن العربي، تقف اليوم على مفترق الطّرق، تبدو وكأنّها في مرحلة “الرّجل المريض”، تشكو إلى اللّه تكالب أعدائها وتخاذل أبنائها.. ولكنّ العارفين بتاريخ الثّورات الإنسانيّة، يدركون أنّها كشجر الزّيتون، تمرض ولا تموت.