مقالات

مِعول رضا لينين تكلّم حتّى أراك…

نور الدين الغيلوفي

تكلّم، رضا لينين على قناة التاسعة فرأيناه.. رأينا صَلفًا كبيرا من رجل يظنّ أنّه مضى في إنفاذ مشروعه.. ولا رادّ لمضائه.. تكفيه عصا ليسوق الشعب التونسيّ أمامه ليَرِد مشروعَهُ.. المشروع الذي طالما بشّر به قيس سعيد قبل أن يكون رئيسا.. مشروع الشعب يريد.. مشروع الشباب الذي عشق الرئيس فحجّت إليه زرافاته رجالا وعلى غير ضامر.. يأتين…

المشروع في جوهره فكرة غامضة لها وجهان:

• وجه سرّي يسري تحت الأرض يستهدف جمع أكبر عدد من الشباب التونسيّ الذي تعلّم الحلم مع الثورة ولكنّ ثقل الواقع أفسد حلمه فتعلّق، تعلُّقَ الغريق، بقشّة مشروع طوباويّ هلامي تماميّ يبشّر بخلاص نهائيّ للأرض وبمَلئها عدلا بعد أن مُلئت جَورا.. وكان رضا لينين القادم من قديمٍ بعيدٍ هو الإمام الحجّة الذي نراه يخرج شيئا فشيئا من غيبته لتفريج كرب الأمّة…

• الوجه الثاني يمثّله قيس سعيد الرئيس الذي وصل إلى كرسيّ الرئاسة بالانتخابات وفق نظام انتخابيّ جاهز مسنود إلى دستور التأسيس “المرفوض”.. وسيكون كرسيّ الرئاسة الموصول إليه بالانتخابات الديمقراطيّة هو المنصّة التي تُرمى بها عمارة الديمقراطية الوليدة في بلادنا.. وسيُهدَمُ التأسيس المنجَز ليقوم على أنقاضه “تأسيس جديد” عنوانه الديمقراطيّة الشعبية المباشرة في استنساخ لجماهيريّة العقيد معمّر القذّافي التي لا يذكر منها الناس سوى اللجان الشعبية التي اختطفت الدولة الليبيّة أكثر من أربعين عاما لتُلقيَ بها خارج التاريخ وجعلت شعب عمر المختار موضوع سخرية الشعوب من حوله…

لرضا لينين أفكار في التشخيص لا غبار عليها.. أفكار قابلة للنقاش تدلّ على أنّ الرجل مثقَّف.. هذا لا شكّ فيه.. ولكنّ أفكاره العلاجيّة مخيفة لكلّ عاقل يرى في البلاد تجربة ديمقراطية وليدة متعثّرة ولكنّها تنمو يوما بعد يوم.. وتخرج بعبقرية أبنائها من مطبّات الخطر إلى سلامة الطريق.. أفكار الرجل مخيفة لأنّها تبشّر بقطع الشجرة التي غرستها أجيال الشعب التونسي بالدماء والدموع…

البلاد تعيش مشاكل كثيرة وإخفاقات لا تخفى.. ولكنّ الحلّ ليس في فوضى تخرج من رأسٍ مغامرة.. عمر تجربتنا لا يسمح بالحكم عليها بالفشل حكما نهائيّا.. ثمّ إنّ فشل التجربة لا يعكس بالضرورة نجاح فكرة لا تزال في رأس صاحبها ويريد أن يغرسها في البلاد تحت شعار “الشعب يريد”…

“الشعب يريد” صرخ بها شباب الثورة ولم تخرج من حنجرة قيس سعيد ولا رضا لينين…

خشية

ظهور رضا لينين كان مدروسا بعناية.. جميع أنواع العناية.. بدءا بهيأته التي غيّرها وانتهاء بخطابه الذي ينضح سخريته من الأحزاب الممثَلة بالبرلمان.. رغم ما تصنّعه من عقل فإنّه لم يفلح في إخفاء استهانته بالأحزاب واحتقار ناخبيها تحت ذريعة أنّ شعبيتها في تناقص…

  • ماذا نفعل ما دامت شعبية الأحزاب في تناقص؟
  • ننقلب عليها أم نجتهد في تطبيع علاقة الشعب بالسياسة التي كان يخشاها في زمن الدكتاتورية وصار يلعنها في زمان الثورة؟
  • لماذا لا يقدّم الرفيق رضا لينين نفسه للانتخابات مثل غيره من الناس ما دام يرى نفسه هو البديل يحتكر حلّا سحريا لم يسمع به من الناس أحد؟

أليس قادرا على إقناع الناس بنفسه وبمشروعه في سباق مع الآخرين عبر انتخابات حرّة ونزيهة؟
هل يريد هدم المسار كلّه ليجريَ في المضمار وحده بلا منافس؟
وحكمه بفشل الديمقراطيّة التمثيلية هل يقتضي حكمه بنجاح حتميّ للديمقراطيّة المباشرة التي ينادي بها؟
ومن أدراه بعواقب هذه المغامرة؟
ألم تنتبه دول الدنيا بفكرة سي رضا العبقريةّ هذه والحال أنّها فكرة سحريّة تبشّر بجنّة أرضية قد تهون معها جنّة السماء؟

اللغة التي تكلّم الرجل بها بدت لغة استعلائية تعكس شخصيّة متعالية لم تسمع يوما عن الحوار والاختلاف والنسبيّة…

الرجل كان يعمل متفقّدا عامّا للتربية.. معنى ذلك أنّه خبير بيداغوجي.. والبيداغوجيا ضدّ الإكراه في حدود ما أعلم.. ولكنّ الرجل انتصب مهديًّا منتظَرا يتحدّث من عند السماء…

الخشية ليست من أفكار رضا لينين.. له أن يفكّر بما شاء كيف يشاء ولكنّ الخشية في ما يُظَنّ من علاقته برئيس الجمهوريّة.. أوصلناه بأصواتنا إلى مقام الرئاسة فهل ينقلب، بنا، على إراداتنا؟

الخشية أن يكون قيس سعيد ومن ورائه الشباب المتحمّس له مجرّد حصان طروادة دفع به رضا لينين وعصابته الفوضويّة إلى الواجهة لينقلبوا على خيارات الشعب ومؤسّسات الدولة وعلى الديمقراطية التي كانت خلاصة تعاقدنا منذ قيام ثورة شعبنا.

الخشية ينبغي أن تنتقل إلى مختلِف الأحزاب الممثَّلة في البرلمان لأنّنا لا ندري شيئا عمّا يعدّ رضا لينين وعصابته في خفائهم.. وقتها سيُحشَر هؤلاء جميعا في مربّع ردّة الفعل.. وقد تشرف البلاد بذلك على ما لا يُحمَد من العقبى.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock