مقالات

حول صندوق الزكاة…

بلغيث عون

صندوق الزكاة في إطار مشروع المالية يقدم في إطار حديث عن الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي، كما يقدم كمهمة للدولة تقوم عليها مثل كل مهامها كدولة. بعيدا عن المناكفات المرضية ذات الخلفية الإيديولوجية، من الضروري توضيح ما يلي:

• الزكاة طهارة ذاتية للنفس وليست رسالة اقتصادية لحل مشاكل التنمية. الزكاة تتجه أولا للداخل نحو النفس لا للخارج نحو الآخر إلا بدرجة ثانية. فحتى إذا كان الخارج الإقتصادي والإجتماعي في أعلى درجات الإزدهار خرجت تطهيرا للنفس ولو ألقيت للطير على رؤوس الجبال كما قال عمر ابن عبد العزيز ر.

• الزكاة هي إحدى أركان الإسلام. هي لذلك عبادة من العبادات. لكن أركان الإسلام والعبادات برمتها شخصية وليست جماعية، تأخذ بعدا جماعيا، لكنها شخصية. ويستطيع أي عاقل أن يدرك أن الإسلام برمته لا يعني إلا معتنقه الذي يؤدي فيه الزكاة تماما كما يؤدي الصلاة وينطق بالشهادتين ويصوم يحج دون أن يلزمه أحد بشيء ولا تتولى الدولة القيام على صلاته وصومه. الزكاة لا تأخذها لذلك الدولة لأنها دولة، بل حين تكون هويتها عقدية تأخذها باسم الإسلام؛ ولا تؤخذ من الفرد لأنه مواطن بل لأنه مسلم. تختلف الزكاة لذلك بالمطلق عن الضرائب التي تقرضها الدولة والتي ليست خيارات شخصية يعتنقها الناس بل تسلط عليهم من الخارج باسم الدولة لكونهم مواطنين لا لكونهم مسلمين أو غيرهم.

• لم يخض أبو بكر الصديق الحرب من أجلها باسم الدولة ضد المواطنين، بل باسم الإسلام ضد المسلمين. فهو لم يحارب من لا يدفعون الزكاة أصلا من غير المسلمين، أي ممن لم يقروا بالإسلام أصلا، بل حارب المسلمين الذين أقروا بالإسلام (فدفع الزكاة) ثم أخلوا بما عاهدوا عليه.

• لم يحارب أبو بكر الصديق لمنع الزكاة ذاته، فإعطاء الزكاة أو منعها قضية شخصية، كالصلاة أو عدمها لا معنى لفرضها كعبادة، فالعبادات ممارسات حرة وذاتية. وليست مجهولة حادثة الصحابي المذكور شأنه في القرآن الكريم، والذي منع الزكاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه النبي ولم يلزمه باسم الدولة بل تركه لذاته وحريته حتى ندم وقدمها لأبي بكر فرفض ثم عمر فرفض، والسبب واضح: الزكاة عبادة شخصية لا تلزم الدولة بها أحدا إلا من التزم بها فإنها تبلغه ما التزم به وتعينه على التزاماته.

• حارب أبو بكر لذلك، لا للزكاة عينها (لعلة دينية) بل لأثرها على وحدة الدولة (علة سياسية) التي يمسكها في شروطها تلك الإسلام. هو إذن لم يحارب للزكاة بل لوحدة الدولة التي إن تهددها خطر غير منع الزكاة لخاض بالمثل الحرب لإزالته، وإن لم يكن للزكاة الأثر السياسي لما كانت الحرب.

• بناء على هذه المقدمات، فإذا كانت الصيغة التي ستؤخذ بها الزكاة كصيغة أخذ الضرائب (لم أطلع على تفاصيل القانون) فإن ذلك ظلم وفوضى معرفية. والأصل هنا أنه إذا رفض أحدهم دفع الزكاة للدولة في تونس لكونه لا يعترف بالإسلام أصلا أو حتى لمجرد “عصيان” (مثلما رأينا مع من رفض أدائها في عهد النبي ص ومات على وعد قرآني صارم دون عقوبة من الدولة)، فإنه ليس من حق أحد إجباره عليها، فالزكاة خيار حر وعبادة شخصية، وليست قانونا ملزما من الدولة.

• إذا تم التعلل بالسياسي كما الحال مع أبي بكر الصديق فإنه في غير محله تماما، لأن الدولة هاهنا في تونس متماسكة في غياب الزكاة، وليست الزكاة (كما في عهد أبي بكر) شرطا من شروط وحدة الدولة، وهذا أمر تاريخي لا علاقة له بالعقيدة.

• إذا لم تكن صيغة أخذها بقوة الدولة، بل كسلوك حر للناس، فإن هذا القانون لا يضيف جديدا: الذين يدفعون الزكاة سيواصلون أداء واجبهم كعادتهم، والذين لا يدفعون من قبل (وليس للدولة أن تلزمهم) سيواصلون قناعاتهم. وما قد يحصل من فرق لا يستحق الذكر.

• المال الحقيقي للدولة في تاريخ الإسلام لا يأتي من الزكاة بل من الحروب والغنائم والأراضي المفتوحة (وهذا أيضا حدث تاريخي نناقشه في موضعه – أصف فقط مصدر المال) ومن محاربة الفساد كما فعل عمر ابن عبد العزيز، وما تيسر من استثمارات بدائية حينها. واليوم المال الحقيقي للدولة يأتي من محاربة الفساد والإستثمارات الفعلية و و.. وليس من الزكاة.

• تبني نظام الزكاة بحالة العجز عن الذهاب في الإتجاه الصواب، عن محاربة الفساد و و.. نوع من المصبرات والإلتفاف عن المهام الفعلية للدولة. وللأسف فإن دخول الزكاة على الخط بعد سنين من العجز عن الإصلاح، ومع إرهاصات استدامة الوضع ورأسه الفساد – فإن الزكاة تنذر بأنها أحد المسكنات وإحدى آليات الحفاظ على الوضع. لكن الأخطر أن نجيب عن السؤال: كيف تنجو الزكاة نفسها من الفساد في وضع كله فساد؟

• إذا لم تكن الزكاة في سياق حرب واضحة على الفساد ومخطط تنموي حقيقي، فإن الزكاة في شروطها هذه هي إحدى مظاهر “استغلال الدين لأغراض سياسية”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock