تدوينات تونسية

معركة مُصطنعة

عايدة بن كريّم

لا أظن أن “العركة” بين جميلة كسيكسي وعبير موسي تدخل ضمن الشأن العام…
هي معركة مُصطنعة نفخوا فيها كما نفخ السامري في العجل… فأصبحت لها تداعيات (خوار عجل السامري)… وزيد الماء زيد الدقيق كبرت العجينة وتخمّرت وتحوّلت إلى خبز يومي… كلّ واحد يقرّص ويحمّس ويحمش في الطابونة.
نجحت عبير موسي في فرض أجندتها على المناقشات العامة… ونجحت في أن يكون اسمها يافطة عريضة لعناوين الأخبار والسجالات… ونجحت في أن تأخذ حيّزا من اهتمام الخاصة والعامة… وسجّلت نقطة لصالحها منذ الجلسة الأولى… ووجودها في البرلمان ليس له من غاية غير تهميش القضايا الرئيسية وفرض معارك “صغيرة”… (تقوم بوظيفة)… ودورها تشويه صورة تونس “الشعب يريد”.
انخراطنا في مثل هذه المعارك هو انحراف عن “حالة الوعي” التي صاحبت “الشعب يريد” وعودة إلى مربعات التجاذبات والتكابش التي لن تزيد إلاّ من تعميق قرف الناس من السياسة وابتعادهم عن فضاءات الفعل…

•••

ما لم يتّفق الجميع (حتى إن كانوا غير مقتنعين) بأنّ تونس هي للجميع (الأسمر والأشقر والأبيض والغني والفقير والذكي والغبي، الصادق والكذّاب، والفاسد والنظيف، والإسلامي والمتدين التقليدي، واليساري والملحد، العروبي والقومي، المحلّي والكوني، الحداثي والتقليدي، الثوري والمحافظ، الإصلاحي والراديكالي، النقدي والجذري…) لن نتقدّم قيد أنملة في بناء غدٍ أفضل يستوعب اختلافاتنا… ولن يكون هناك غدٍ دون هذا المُشترك “COLLECTIF” وهو منصة (برنامج – قيم – أطروحات – مشاريع) يجلس حولها الجميع لبناء روابط وعلاقات: “عالم” يجد فيه كل طرف جزء من تصوراته وتمثلاته (دون احتكار الصواب والخطأ ودون أحكام مُسبقة ودون إقصاء الآخر…). عالم نعيش فيه دون أن نوجه فوهات بنادقنا نحو ذواتنا… عالم نحسم فيه معاركنا بـ”الحوار”…

البرلمان هو صورة تعكس المجتمع التونسي… مشهد فسيفسائي. وألوان مشوّشة.
هؤلاء النواب لم ينزلوا من كوكب المريخ… بل انتخبهم الشعب وهم يمثلون قوس قزح وتحت القبة المفروض تجتمع الألوان لتُفرز لونا مُحايداً (الأسود أو الأبيض) كلاهما يرمز للحياد. وهو نتيجة لطغيان لون أوّلي في تركيبة قوس قزح (مائي أو ناري)…
والعقلانية تقول ما دمتم لم تُصوّتوا منذ التأسيس على قانون عزل “القديمة” وفوّتم فرصة تنقية الأجواء من البارازيت… فإنّ وجود رموز القديمة في مؤسسات الدولة بات أمرا له شرعية واقعية وقانونية. والمطلوب حسن إدارة هذا “الواقع”. لأنه: “too late too little”.

•••

كلّ التضامن مع جميلة كسيكسي ليس بصفتها نائب في البرلمان عن حركة النهضة وإنما جميلة الإنسان… جميلة الرمز، جميلة التي تمثّل جزء كبير من المجتمع التونسي. في جربة ومدنين وبنقردان… وجزء أكبر من المجتمع الكوني…
لون بشرتها هو لون القارة التي ننتمي إليها… والأسود والأبيض يتعاقبان ويتكاملان لتستمرّ الحياة وبغياب أحدهما تتوقف الأرض عن الدوران…
كفى صبّ الزيت على نار طفات من عام التوافقات…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock