منعرجات الموت
منذر بوهدي
تتلعثم وتتبعثر العبارات حقا التي بها يمكن أن نصف المأساة المؤلمة التي جدت يوم 01 ديسمبر 2019 بمنطقة عمدون من ولاية باجة في الشمال الغربي لتونسنا العزيزة، والتي كان ضحيتها 26 من شباب تونس في مقتبل العمر انتهوا الى قدرهم المحتوم في أعقاب حادث مرور مريع ومفزع، حيث انقلبت الحافلة التي كانت تقل ركاب رحلة الموت هذه في منعرج و منحدر خطيرين جدا، ولقد سجلت حوادث أخرى سابقة في نفس المنعرج ايضا…
ولكن يبدو ان منعرجات ومنحدرات الموت ملطخة بالفساد في كل مرة!!
ففي منعرج الفساد والرشوة في الادارة نذكر يوم انهارت عمارة في سوسة في أكتوبر 2017 والتي كانت ضحيتها 6 أفراد وقد تم فتح تحقيق بخصوص الأشغال الجاري إنجازها في مكان الحادث ليتمّ تحديد المسؤوليات الجزائية وتأكيد احتمال وجود إخلالات منح رخص البناء والأعمال الفنية وتنفيذ الأشغال…
وأيام اخطفت ايضا قوارب الموت في منعرجات الموج والبحر شبابنا في رحلات عديدة لا تنتهي…
وفِي منعرج المستشفيات يوم توفي الرضّع…
أما في منحدر الوادي يوم مات غرقا المعتمد ويوم غرقت الفتاة مؤخرا…
تعود منعرجات الموت في رحلة الموت كل مرة من بوابة الفساد العنكبوتي السرطاني المتكلّس في العقليات والممارسات والتي تمثل سببا مباشرا في الموت المتعمد لشباب بلدنا وعندما تتكاثر وتكرر يصبح الوضع أخطر بكثير لانك في المنعرجات والمنحدرات الأكثر وعورة وصعوبة باعتبار مواجهة الشبكات الداخلية متعددة الألوان والأوجه والممسكة بقانون الموت خاصتك أصبحت ضرورة لأن قرار بناء الجسر ومد السكة الحديد وتعبيد الطريق وقيام المستشفى وتعيين الطبيب والأستاذ والإمام والأمني وحتى المشعوذ ليس من حقك أن تقتنع بما يروي من أساطير وحتى من يكون ساحرك المفصّل على مقاسك يتم اختياره لم مسبقا لينومك وفق رزنامة سقوطك من منعرجك العاجي…
عندها ايضا يكون من العبث الانصياع “للدولة” وتصبح عملية “التمرد على الموت” قضية وجود وليست خيار مرحلي للحظة منعرج يتطلب التريث والسير ببطء.
عندما تدقق مليا تجد الفساد أقرب اليك من حبل الوريد بل إن الفساد يتنفس أمامك وينطق كذبا وبهتانا صباحا مساء ويوم الأحد ويحكم ظلما وتهطل المبررات كلها ليخلد هذا السلوك الفاسد أو ذاك ولقد بات واضحا وجليا ان شبكة الفساد المترامية الأطراف ستفني كل من يخرج عن صفها بدعوى أنه يتنفس نسيم الكرامة والحرية.
ان الفساد المستشري في كل منعرجات الدولة ومنحدراتها وهضابها وسهولها وفصولها يتربص بكل تفاصيل حياتنا ويزعجه أننا ثرنا يوما في وجهه بكل وقاحة الحياة وهو يعوي فليموت الشعب وليفنى الوطن ويذهب الى الجحيم مادام المغنم مقسم بانتظام بين افراد النظام ولكننا سنردد صوت النصر في كل منعرج ومنحدر وفِي البحر والبر وجوا وفِي كل المواسم والمراسم والمناسبات…