فاقد الشيء لا يعطيه.. والغراب لا يصنع الرّبيع.. !!
عبد اللّطيف درباله
طبقة سياسيّة حاكمة ومعارضة فشلت في النّهوض بمقرّ مجلس النواب وتطوير موطن السّلطة التشريعيّة.. فكيف ننتظر منها النّهوض بالشّعب وتطوير دولة بأكملها وإفادة الوطن..؟؟!!
كنت أعرف الكثير من المعلومات عن الحالة السيّئة التي يعانيها مقرّ مجلس نواب الشعب.. وظروف العمل به.. وعن النقص الفادح في وسائل العمل والتجهيزات والمكاتب..
لكنّني صعقت وأنا أستمع مؤخّرا للنائبين الصافي سعيد وياسين العيّاري وهما يستعرضان الكثير من التفاصيل الإضافيّة المذهلة عن أوجه الخور والتعاسة في قصر باردو..!!
فمجلس النواب الذي يشتغل فيه مئات النواب والموظّفين.. ويقضّون الساعات الطوال.. أحيانا من الصباح الباكر إلى ساعات متأخّرة من اللّيل.. لا يملك أدنى مقوّمات مكان العمل العادي.. فما بالك بالعمل النيابي للسلطة التشريعيّة في نظام برلماني..؟؟!!
تخيّل..!!
النواب في تونس لا يملكون مكاتب للعمل بمقرّ مجلسهم.. لا مكاتب فرديّة مستقلّة كاملة.. ولا حتّى مجرّد طاولات مكاتب فرديّة في فضاءات جماعيّة مفتوحة..!!
يعني عندما يقضّي النواب الساعات الطوال بمقرّ المجلس بين عمل اللّجان.. وبين الجلسات العامّة.. وبين الإجتماعات والمناقشات والمفاوضات السياسيّة.. وعندما يستقبلون الضيوف وسائر المتعاملين مع المجلس ومع العمل النيابي.. يضطرّون للجلوس داخل مقهى البرلمان.. أو في المقاهي المجاورة له في باردو..!!
والنائب لا يمكنه والحالة تلك العمل بجهاز كمبيوتر.. فإن أتى بحاسوبه المحمول.. وجد مشكلا في إيجاد منافذ الطّاقة لشحنه بمقهى المجلس..!!
وإن وجد النائب الفرصة للعمل على الكمبيوتر بمقرّ المجلس رغما عن ذلك.. واحتاج لطباعة أوراق.. فإنّه لا يمكنه إيجاد طابعة مسخّرة لاستخراج الأوراق بمقرّ المجلس لعموم النواب.. ممّا يضطرّه غالبا إلى طباعة تلك الأوراق في أحد مكاتب الخدمات في محيط المجلس..!!
طبعا مع تعريض الأوراق الرسميّة وأسرار الدولة للإطّلاع عليها من العموم..!!
حتّى دورات المياه حالتها تعيسة جدّا ولا تليق بمكان عمومي.. ولا بمقرّ سيادة.. ولا بنواب شعب يقرّرون مصير ومستقبل البلاد..!!
هذا عدا عن فضيحة توزيع لوحة ذكيّة بها برمجيّات للعمل بالمجلس على جميع النواب.. مسلّمة في شكل منحة من منظّمة أمميّة.. دون أن تخضع للمراقبة التقنيّة والأمنيّة للتثبّت من عدم تضمّنها برامج تجسّس أو غيره..!!
المصيبة الأكبر.. هي أنّه وفي ما عدا الأجور.. فإنّ أغلب الخدمات والإستشارات والأجهزة والإنفاق على مجلس نواب الشعب.. وعلى النواب.. لا تأتي في الحقيقة من ميزانيّة الدولة.. وإنّما من منظّمة أمميّة..!!
تلك المنظّمة أيضا هي التي تصرف على نواب الشعب التونسي من أجل تكوينهم.. وتدريبهم على قواعد وآليّات العمل النقّابي..!!
يعني دولة 3000 سنة حضارة كما يتشدّقون..
و63 سنة إستقلال..
وبعد حوالي 9 سنوات من الثّورة..
ومع ثالث مجلس تشريعي منذ بداية العهد الديمقراطي..
ليست مستعدّة لتصرف من جيبها الخاصّ على مجلسها التشريعيّ الذي يمثّل أعلى سلطة وطنيّة فيها.. باعتبار أنّ النظام السياسي المعتمد في تونس هو نظام برلماني.. وتنتظر أن تصرف بلدانا أخرى أو منظّمات دوليّة على نوابها ومجلسها.. وعلى ديمقراطيّتها..؟؟!!!
هذه الأحزاب.. وهذه الحكومات.. التي تداولت على حكم تونس.. وعلى مجلس نواب الشعب منذ سنة 2011..
كيف لم تفكّر بتاتا في توفير ظروف العمل الملائمة بالبرلمان..؟؟!!
وكيف لم تفكّر في بناء أجنحة جديدة بمقرّ البرلمان لتوفير فضاءات عمل ومكاتب خاصّة للنواب..؟؟!!
وكيف لم تفكّر في توفير طاولات مكاتب ومقاعد وأجهزة كمبيوتر وطابعات وأدوات عمل لنوابها..؟؟!!
وكيف لم تفكّر في العناية بالمرافق الضروريّة في البرلمان مثل المقهى والمطعم ودورات المياه والفضاءات المشتركة ومكاتب الخدمات والطّابعات والإعلاميّة والإنترنت..؟؟!!
وكيف لم تفكّر في وضع التمويلات اللاّزمة لتكوين النواب وتدريبهم وتوفير مواد وآليّات العمل لهم عوض الإستعانة بالتمويلات الأجنبيّة لتمويل سلطة وطنيّة..؟؟!!
إنّ الإستنتاج الآلي من كلّ ذلك.. هو أنّ هذه الطبقة السياسيّة.. التي فشلت حتّى في وضع منظومة ناجحة وفاعلة لمجلس نواب الشعب الذي يمثّل السلطة الأولى بالبلاد.. والذي تنبثق منه الحكومة وسلطاتها.. والذي يمثّل في جوهره سلطة الشعب التونسي..
هذه الطبقة السياسيّة التي فشلت حتّى في تحويل مكان عملها في أعلى سلطة بالبلاد.. إلى مكان عمل مناسب ولائق.. وتتوفّر فيه وسائل العمل والإنتاج والنجاح في المهام..
هذه الطبقة السياسيّة التي لم تستطع ذلك.. في بناية محدودة المساحة .. ومحدودة العدد إذ قد لا تضمّ أكثر من 400 شخص.. وبميزانيّة مفترضة لا تتجاوز بضع ملايين من الدينارات.. كيف يمكنها والحالة تلك النّهوض بكامل الدولة.. وبشعب كامل يفوق 11 مليون مواطن..؟؟!!
وكيف ننتظر من هذه الطبقة السياسيّة أن تضع منظومة متطوّرة للبلاد.. وأن تطوّره وتصنع تفوّقه.. وأن تخرج الشعب من أزماته وتحقّق له الرّخاء والسعادة..؟؟!!
كيف ننتظر منهم ذلك فعلا.. والحال أنّهم فشلوا في ما هو أقلّ بكثير من هذا..؟؟!!
وفشلوا حتّى في مجرّد النّهوض بالبناية التي يعيشون فيها طوال ساعات النّهار وبعض اللّيل يوميّا..؟؟!!
فكيف ننتظر منهم في المقابل أن يصنعوا وطنا قويّا ومزدهرا..؟؟!!
حالة الفوضى والفشل والتردّي للطبقة السياسيّة في مجرّد مجلس نواب شعب.. كمقرّ وبناية وظروف وآليّات عمل ومنظومة ذكيّة تليق بسنة 2019.. تعكس بوضوح كامل وتامّ.. فشل كامل المنظومة السياسيّة التي مرّت بمجلس نواب الشعب من 23 أكتوبر 2011 إلى اليوم..!!!
إذا ما فشلت الأحزاب والشخصيّات والقوى السياسيّة الحاكمة.. في القدرة على تحسين ظروف العمل بمقرّ مجلس نواب ينشطون ويشتغلون هم أنفسهم فيه.. والذي هو محدود من حيث المساحة والمكان والعدد والنفقات المفترضة..
فيعني ذلك أنّ هذه الطبقة السياسيّة الحاكمة فاشلة في الحكم وفي الإنجاز وفي إدارة الدولة وتسيير بلاد بكاملها..!!!
وإذا ما فشلت الأحزاب المعارضة.. في التأثير على السلطة الحاكمة بفرض تلك الإصلاحات عليها.. والتأثير عليها إيجابيّا بحملها على القيام بها.. وذلك بمجرّد مقرّ لمجلس نواب الشعب..
فيعني ذلك أنّ هذه الطبقة السياسيّة المعارضة فاشلة هي أيضا في القدرة على التأثير كمعارضة على السلطة الحاكمة وحملها على تغيير وتحسين أمور البلاد والعباد جميعا..!!!
فعلا..
فاقد الشيء لا يعطيه..!!
والغراب لا يصنع الرّبيع..!!