مقالات

الغنوشي يعدنا بمنع السياحة الحزبية “يا شيخ أنجز ما تعد”

عبد السلام الككلي – علي الجوابي

اختتم يوم 14 نوفمبر 2019 راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب الجلسة الافتتاحية لهذا المجلس في مدّته النيابية 2014/2019 بكلمة بيّن فيها ما يعتبره أولويات عمل المجلس وأكّد أنّ انجاز تلك الأولويات موقوف على وضع حدّ للسياحة الحزبية قائلا «ولعله حري بنا البحث في أفضل السبل لتعديل النظام الداخلي للمجلس مما يقطع بدون رجعة مع السياحة الحزبية ويفقد النائب صفته إذا غادر كتلته التي ترشح عنها تعزيزا لأخلقة الحياة السياسية عامة والنيابية خاصة».

يعتبر رئيس مجلس نواب الشعب أنّ إيقاف نزيف السياحة الحزبية يكون بتعديل النظام الداخلي لهذا المجلس في اتجاه ترتيب جزاء فقدان النائب عضويته في المجلس إذا استقال من حزبه لكن نعتقد أن اقتراح رئيس المجلس مخالف للقانون الانتخابي للأسباب الآتي بيانها..

إنّ عبارة «السياحة الحزبية» هي توصيف سلبي لظاهرة برزت ونمت في الحياة السياسية في بلادنا وخصوصا في المجالس النيابية المنتخبة وتتمثّل في مغادرة شخص الحزب والكتلة البرلمانية المنتمي إليهما الى حزب آخر أو الى كتلة أخرى او مغادرة الحزب دون الكتلة وهي نوعان:

• أوّلا. سياحة حزبية خارج قبّة البرلمان تتمثّل أساسا في انّ شخصية سياسية ليست نائبا في مجلس منتخب تستقيل او تنسحب من الحزب كانت من قيادييه او عضوا فيه وتنظمّ الى حزب آخر مثل سمير بالطيب الذّي كان أمين عام حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي غير الممثّل في البرلمان وبصفته الحزبية دخل الحكومة في منصب وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لكن بسبب خلاف مع بعض قياديي هذا الحزب وعدم رضاهم على بقائه في الحكومة التي يرأسها يوسف الشاهد غادر حزب المسار وانضمّ مع قيادات أخرى الى حزب تحيا تونس ونذكر أيضا سميرة الشواشي التي كانت في الحزب الوطني الحر ثم في نداء تونس لما حصل الاندماج بينه وبين الوطني الحر ثمّ انتقلت الى حزب قلب تونس الذي ترشحت في قائمته وفازت بمقعد وهي الآن النائب الأوّل لرئيس مجلس نواب الشعب.

• ثانيا. سياحة حزبية داخل البرلمان تتمثّل أوّلا في انسحاب نائب في البرلمان من الحزب الذّي ترشّح في قائمته للانتخابات التشريعية وفاز بها في مقعد في مجلس نواب الشعب وثانيا في انضمامه إمّا الى حزب آخر وتدعيم كتلته البرلمانية وإمّا انضمامه إلى كتلة غير المنتمين الى حزب. على انه يجب ان لا ينظر إلى الموضوع من زاوية استقالة النائب من حزبه وإنّما أيضا من زاوية اقالة الحزب له.

وقد أصبحت السياحة الحزبية في تونس ظاهرة بارزة في الحياة السياسية وخاصة في المجالس النيابية المنتخبة لانّ القانون الانتخابي لا يمنع النواب المنتخبين من الانسحاب من الحزب الذي اوصلهم الى مقعد نيابي وقد كانت حاضرة في المجلس الوطني التأسيسي وتتضح المسالة بالمقارنة بين افتتاح أشغال المجلس بعدد كتله والمنتمين إليها ونهاية عهدته.

فحزب حركة النهضة انسلخ منه أربعة نواب، ففي البداية كان له 89 نائبا وعند الاختتام 85 نائبا وأمّا حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التّكتل فقد عاشا نزيفا كبيرا فقد خسر المؤتمر أكثر من نصف نوابه فقد مرّ من 29 نائبا الى 12 نائبا بينما غادر التكتّل 10 نواب فعند افتتاح المجلس كان له 20 نائبا وعند انتهاء الأشغال انخفض عددهم الى 10 نواب.

ولئن خسر أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل نوابا في التأسيسي فإن حزب التيار الديمقراطي وحزب نداء تونس استفادا من السياحة الحزبية فقد تأسسا عقب انتخابات 2011 ولم يكونا موجودين فيه أثناء افتتاح المجلس أشغاله لكن تسلّلا اليه واصبح لهما نواب فيه.

وقد استفحلت السياحة الحزبية في مجلس نواب الشعب خلال المدّة النيابية المنقضية 2019/2014 الى حدّ أنّها صارت أزمة تضرّرت منها كثير من الأحزاب مثل حزب نداء تونس الذّي تضرّر منها أكثر من غيره فقد انسلخ عدد كبير من نوابه ومن رحمه نشأ حزب حركة مشروع تونس وحزب تحيا تونس فقد كان له 86 نائبا عند بدء أشغال المجلس ولم يبق له سوى 25 نائبا.

لقد استفاد حزبا مشروع تونس وتحيا تونس كثيرا من السياحة الحزبية ولولاها لما كان لكل واحد منهما كتلة برلمانية قدم أعضاؤهما اليهما من أحزاب أخرى وبالأساس من حزب نداء تونس ومن حزب أفاق تونس الذي فقد كتلته بسبب النزيف الذي عاشه فقد رحل جلّ اعضائه الى احزاب اخرى والى كتل اخرى.

كما استفاد حزب قلب تونس من السياحة الحزبية فقد ترشّح للتشريعية 2019 في قوائمه نواب في مجلس نواب الشعب عن حزب نداء تونس منهم من استقال منه مثل عماد أولاد جبريل ومنهم سفيان طوبال ورضا شرف الدين بالاطلاع على موقع مجلس نواب الشعب يتضح أنّهما مازالا مرسّمين بعنوان رئيسي كتلتين لحزب نداء تونس بينما هما الآن نائبان في المجلس التشريعي عن حزب قلب تونس فهل قدّما استقالتهما من حزب نداء تونس علما وان القانون المنظّم للأحزاب يمنع الانتماء لأكثر من حزب.

وفي خلاصة فقد غير بعض النواب أحزابهم أو كتلهم لأكثر من عشر مرات خلال السنوات الخمس من عمر المجلس.

السياحة الحزبية في مناقشات المجلس التأسيسي

ناقش النواب في المجلس الوطني التأسيسي الموضوع من زاوية الجواب على السؤال التالي: هل لإقالة النائب من حزبه تأثير على وظيفته النيابية ؟

وكان الجواب بالنفي فقد جاء في الصفحة 13 من التقرير الأصلي للجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما ما يلي: »وذهب جلّ الخبراء وخاصة من ذوي التجربة السياسية الى عدم جواز الربط بين إقالة النائب من مهامه وإقالته من الحزب الذّي ينتمي إليه وشدّدوا على ضرورة فصل الحياة السياسية عن المهام النيابية» وذكر التقرير أن الطاهر بلخوجة ومحمد الصالح فليس من أنصار هذا الرأي كما استبعد اغلب اعضاء اللجنة تضمين هذا الموضع في الدستور بحجّة «أنّ الانقسام او الانصهار شأن داخلي للأحزاب» و «أنّ عدم الانضباط الحزبي هو شرط من شروط الديمقراطية» وأنّه «يتّجه تغليب الاستقرار السياسي على استقرار الأحزاب» واتفق أعضاء اللجنة على ترك هذا الموضع الى النظام الداخلي.

لقد تناول النظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي مسألة العضوية في بابه التاسع ونصّ في الفصل 119 على أنّ كلّ عضو بهذا المجلس هو »نائب عن الشعب بكامله» بمعني أنّه ليس نائبا عن الحزب أو الائتلاف الذي رشّحه وعدّد الفصل 123 حصريا صور انتفاء صفة العضوية عن النائب قبل نهاية المدّة التأسيسية وليس من بينها اقالة النائب من حزبه او استقالته منه.

ولقد تناول المجلس الوطني التأسيسي في إطار وظيفته التشريعية موضوع علاقة النائب بحزبه من زاوية استقالة عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة او الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه عندما سنّ القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2012 المؤرّخ في 26 ماي 2012 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ورتّب في الفصل 39 عن الاستقالة جزاء يتمثّل في أن يفقد آليا النائب المستقيل من الحزب «عضويته في اللجان النيابية وأيّ مسؤولية في المجلس تولّاها تبعا لانتمائه ذاك» وأضاف في الفقرة الاخيرة من ذات الفصل بأن المكان الشاغر يؤول إلى الحزب أو الائتلاف الذي تمت فيه الاستقالة بمعنى إذا كان نائب يرأس لجنة برلمانية واستقال من حزبه او كان عضوا في احدى اللجان البرلمانية فإنّه يفقد رئاسة اللجنة وكذلك العضوية فيها ويعوّضه في الرئاسة أو في العضوية في اللجنة نائب من الحزب الذي استقال منه. بالإضافة الى انّ الفصل 34 من نفس القانون عدّد حصريا حالات فقدان العضوية بمجلس نواب الشعب وليس من بينها استقالة النائب من الحزب الذي ترشّح في قائمته وإقالته من الحزب.

خلاصة القول فيما يهمّ العلاقة بين النائب وحزبه ولاسيّما انتهاؤها بالإقالة او الاستقالة أو بأيّ شكل آخر فإنه يتجه تعديل القانون الانتخابي خاصة الفصلين 34 و39 اذا توفّرت الارادة السياسة لوضع حدّ للسياحة الحزبية امّا الاقتصار على تعديل النظام الداخلي فيجعله مخالفا للقانون الانتخابي وهو قانون أساسي طبق أحكام الفصل 65 من الدستور الذي عدّد المسائل التّي تـتّخذ شكل قوانين أساسية ومن بينها القانون الانتخابي وتتميّز مشاريع القوانين الأساسية بأنّها تتطلّب مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب خلافا لمشاريع القوانين العادية التي تتطلّب المصادقة عليها أغلبية الأعضاء الحاضرين بشرط «ألاّ تقلّ هذا الأغلبية عن ثلث أعضاء المجلس».

كلام راشد الغنوشي …هل هو مجرد وعد ؟

وهكذا يبدو أن السيد راشد الغنوشي لم ير من موضوع السياحة الحزبية غير الجانب المتعلق بالنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب في حين أن المسألة لا تقتصر عليه بل انها تتصل أساسا بتغيير القانون الانتخابي وهو ما يعقد المسالة اذ ان تغيير هذا القانون يستوجب مبادرة تشريعية صادرة عن الجهات التي يخول لها القانون تقديمها وهي رئاسة الجمهورية أو الحكومة او عدد من النواب.

ثم ان القانون الانتخابي بصفته قانونا أساسيا فإنه سيحتاج إلى الأغلبية المطلقة من عدد أعضاء المجلس. عدا ما سيثيره هذا التعديل من حساسية لدى النواب مثلما وقع في الماضي فقد شهدت الجلسة العامة المنعقدة يوم 18 جوان الماضي إسقاط مقترحات التعديل التي تقدّم به النائب عن حركة نداء تونس المنجي الحرباوي (شق المنستير) والتي تعرف بتنقيحات منع السياحة الحزبية، حيث تم رفض مقترح تعديل الفصل 34 من قانون الانتخابات والاستفتاء من طرف 120 نائبا والموافقة عليه من طرف 25 نائبا فيما احتفظ 16 نائبا بأصواتهم.

وينصّ مقترح تعديل الفصل 34 «على أنه علاوة على الحالات الواردة بالفصل 34 من هذا القانون يعد شغورا نهائيا كذلك إذا استقال العضو المنتخب من الحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ترشح ضمن قائمته أو كذلك عند الاستقالة من الكتلة النيابية أو الحركة أو الائتلاف الذي ينتمي إليه».

كما تم كذلك إسقاط مقترح اضافة فصل جديد في القانون الانتخابي ينصّ «على فقدان العضو المنتخب آليا عضويته في الهيكل المنتخب إذا استقال من الحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ترشح ضمن قائمته أو كذلك عند الاستقالة من الكتلة النيابية للحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ينتمي» برفضه من طرف 121 نائبا واحتفاظ 23 نائبا بصوتهم مع موافقة 26 نائبا فقط.

طاحونة الشيء المعتاد

نفس الاحترازات التي عبر عنها النواب في جوان الماضي إبان مناقشة تعديل القانون الانتخابي يعبرون عنها اليوم بعد تصريح راشد الغنوشي فتعليقاً على هذه الظاهرة، رأى النائب عن حزب «تحيا تونس» وليد جلاد، في تصريحٍ لـ »العربي الجديد» (17 نوفمبر 2019)، أنها مسألة تحتاج إلى الحوكمة داخل الأحزاب، وإلى مراجعة نظامها، لتأتي لاحقاً المعالجة القانونية. ولفت جلاد إلى أن «السياحة الحزبية تتخطى حزب نداء تونس وما حصل معه، لتشمل الأحزاب جميعها، إذ لا بد من البحث والتساؤل حول كيفية حكمها وإدارتها»، متحدثاً عن «ضرورة إعادة النظر في البنية الحزبية في تونس، وفي كيفية اختيار القوائم المرشحة للانتخابات».

وفي هذا الإطار أيضا، اعتبر النائب عن «تحيا تونس»، أن السياحة الحزبية تشكل جزءاً من إشكالية أكبر تتعلق بسوء الحوكمة واختيار النواب وتكوين القوائم، حيث يمكن اليوم الانتخاب على أساس الأشخاص وليس النواب، مؤكداً أن الأحزاب التي انقسمت وتضررت من السياحة الحزبية عانت من سوء حوكمة وتسيير داخلها، ما أدى إلى تنقّل نوابها ومغادرتهم، وبالتالي فإن السياحة الحزبية تشكل النتيجة وليست المسبب لهذه المعضلة.

يبدو ان كلام راشد الغنوشي ليس أكثر من وعد.. والوعود لا تصنع قوانين كما أن الخطاف لا يصنع الربيع.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock