دولة موازية
زهير إسماعيل
قيادة اتّحاد الشغل تعيش حياة سياسيّة موازية وأجندة خاصة بها، وانشغالات منفصلة عن المشهد السياسي الوطني، حتّى لكأننا أمام في دولة أخرى مجاورة في ظل نظام استبداد محنّط. تحركات متوترة وشعارات متشنجة ومعارك دونكيشوتيّة، وعدو متوهم غير واضح المعالم (أعداء الاتحاد) وتحشيد في الجهات يذكّر بحملات التجمع عندما تطفو على السطح قضية من قضايا الحرية وحقوق الإنسان.
عامة الناس قد يتبيّنون هذا، ولكنه عند الطبقة السياسية يعكس رهابا وخوفا غير مبرّرين، إلاّ إذا كانت هذه القيادة تخاف من تنبيه البعض إلى أنّ الاتحاد ليس مستثنى من المحاسبة، وقد تورّط بعض قياداته في ملفات فساد وقال القضاء فيهم كلمته، ورفض البعض الآخر دعوة النيابة العامة إلى التحقيق. وتوجد ملفات للبعض الآخر منهم عند القطب القضائي. وهو ما اضطرّ أمين عام الاتحاد إلى القول بأنّ “لا حماية لأي نقابي تورّط في الفساد”.
المستهدف ليس الاتحاد، وهذا ما يحاولون الإيهام به. ولن ينجحوا في الإيهام به فالمعلومة حرّة والكلمة محرّرة، ولا يمكن إخفاء الحقيقة. والقضاء هو الفيصل.
قيادة الاتحاد التي كرّمت جراد مناشد بن علي وخادمه لعشريتين، ووقفت إلى جانب النظام في استبداده وفساده تقدّم اليوم أكثر من دليل على أنّها الجزء الذي لم يتغيّر من نظام بن علي بعد الثورة. فمنظّمة الشغالين مختطفة من قبل مجاميع ايديولوجيّة انهزمت في الاختيار الشعبي الحر. وعملت على توريط قيادة الاتحاد في إجهاض مسار التأسيس، برعاية غير خافية.
من أهمّ نتائج الاستحقاق الانتخابي الأخير رفع الصنصرة عن موضوعين صار الحديث فيهما من التابوهات هما فرنسا وقيادة الاتحاد. وبذلك توسع مجال الحرية السياسية ووسّعت من الممارسة الديمقراطيّة.
هناك أحزاب، في الحكم وفي المعارضة، تؤكد على مرجعيتها الثورية ونهجها الديمقراطي ومحاربة الفساد ودولة القانون والسيادة لا تجرؤ على أن تقول (ولو بطريقتها) كلمة في موضوع الاتحاد (ما نحكوش على فرانسا). فضلا عن كونها تكيل بمكيالين في موضوع الفساد، لا تختلف عن الشاهد كان بالصبر. يلتقون كلهم بقلب تونس ثم يتنابزون بالعلاقة به، ويتهم بعضهم بعضا.