حَرِصَت فندمت
أحمد الغيلوفي
وأنا أفكر في مآلات التفاوض وما أنتج من اتفاق النهضة مع قلب تونس وخسارة التيار لمقعد نائب الرئيس، وكذلك مسار التفاوض حول تشكيل الحكومة الذي يتجه فيه التيار وحركة الشعب إلى الاكتفاء بكرسي المعارضة، تذكرت قصّة العجوز والدجاجة: كان لعجوز دجاجة تبيض لها يوميا بيضة ذهبية، تحسنت احوال العجوز وظهرت عليها علامات النعمة، غير أن كل عجوز عجول ولجوج، لذلك جلست يوما تحدّقُ في دجاجتها “لابد ان جوفها مليئ بالذهب، لماذا لا اقوم ببقرها واستخراج كنوزها دفعة واحدة وارتاح من نفقتها؟”. وبالفعل ذبحتها وبقرت جوفها غير أنها لم تجد غير ما نجده في جوف الدجاج: أمعاء مليئة بالزّق. فماتت حسرة وكمدا.
• فكر لا تاريخي: لماذا تُسلِّمُ “القوى الثورية” وللمرة الثانية الحكم للقوى التقليدية والفاسدة؟ (2014/2019). في الحقيقة هذا السؤال كان قد طرحه عبد الله العروي في “العرب والفكر التاريخي”. يقول “ان الاخفاق في السياسة يأتي قبل كل شيء من الذاتية. وتفهّم أسباب الفشل يدفع إلى اكتشاف موضوعية السياسة وموضوعية المجتمع واخيرا موضوعية التاريخ” (الط.2. المركز الثقافي العربي. ص54). السياسي “الثوري” ذاتي وغير عقلاني لانه لا يراعي الواقع وذلك عندما يريد تحقيق ما في رأسه في قفزة واحدة، ولا يؤمن بالتراكمات، ومن هنا فشله ولا تاريخيته. يُبالغ في طهوريته وثوريته ويرفض التعامل مع مكونات الواقع السياسي إلى أن يعزل نفسه ويحاصرها فيبقى وحيدا عاجزا عن الفعل. يضرب العروي مثلين لهذه الحالة: بن بركة وبن بلة اللذان عاصرهما. الأول انتهى منفيا ثم مقتولا والثاني انتهى سجينا ثم منفيا.
• المُعادلة الصفرية: يُصنِّف كاتب “مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي” حسن محمد وجيه (سلسلة عالم المعرفة) التفاوض القائم على المعادلة الصفرية على انه اسوء انواع التفاوض وينم عن جهل بالسياسة، لأن جعل الخصم يخسر كل شيئ مقابل ان تربح كل شيء يعني اعلان حرب وليس تفاوضا. سأفترض أن التيار الديمقراطي له 52 نائبا و”فاوضته” النهضة التي تملك 22 نائبا على أن تشاركه الحكم مقابل أن يترك لها وزارة الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية ويكون رئيس الحكومة من خارج التيار. سيكون التيار أمام ثلاثة خيارات:
1. أن يقبل العرض وهو ما يعني أن يكون في مواجهة مع قواعده ومع ناخبيه: لقد افتكت النهضة جهد مناضليه وسطت على نتائجه ومارست السلطة جالسة على كتفيه. ثم سوف يُحسب النجاح لها وسوف يحاسب الناخب التيار في حالة الفشل “نحن انتخبناك وانت رضخت للابتزاز وقدمت أصواتنا للنهضة”.
2. ان تُعاد الانتخابات: اولا يجب ان نعرف ان نسبة المشاركة في نُقصان متواصل واعادة الانتخابات ستُقابل بعزوف كبير نظرا ليأس الناخب من الطبقة السياسية وبالتالي من سينجح ستكون له شرعية ضعيفة. ستكون النهضة في المرتبة الثانية او الاولى وسيجد التيار نفسه أمام نفس المعضلة. إعادة الانتخابات تكلف 140 مليار وسيتحمل التيار وزر ذلك. ايضا سيتعامل الناخب مع التيار على أنه حزب فشل في تشكيل الحكومة ومن العبث اعادة انتخابه. ايضا اعادة الانتخابات رسالة سيئة جدا حول الديمقراطية في تونس تعني أننا بلد غير مستقر. جماعة “يجب التعجيل بتشكيل الحكومة” لم يصبروا على انتخابات واحدة فكيف لو اعيدت؟ اخيرا: من يتحمل أوزار اية عملية امنية يمكن ان تقع. في تلك الفترة غير الحزب الأول؟ = لن يضمن التيار زيادة عدد نوابه. في أفضل الحالات سيتحصل على نفس العدد وسيجد نفسه أمام نفس المعضلة إما مع النهضة أو مع تحيا او عبير او ائتلاف الكرامة.
3. سيضع التيار ميزانا للأرباح والخسائر ليجد أن التحالف مع قلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا أقل خسارة + مع المراهنة على المستجدات التالية:
- قلب تونس لن يصمد طويلا امام اغراءات تحيا تونس وأمام غياب أي رابط بين أعضائه.
- من في قصر قرطاج ليس الباجي وإنما قيس سعيد: يستطيع تقديم مشروع قانون أساسي يرفع الحصانة على من لديه ملفات فساد ولا يستطيع أي حزب معارضة ذلك في البرلمان. ثم يستطيع عرضه على الاستفتاء الشعبي وتجاوز البرلمان. في كل الحالات سيكون قيس سعيد هو الرابح الاكبر من تهارش الأحزاب ومن محاربة الفساد.
بقي لي سؤالين للتيار ولحركة الشعب: عوض “المعادلة الصفرية” لماذا لم تقدموا اقتراحا تضربون به اربعة عصافير دفعة واحدة: تشترطون أن تقدم النهضة لرئاسة الحكومة شخصا معارضا للتوافقات مع الفساد والدولة العميقة -عبد اللطيف المكي مثلا-؟ هكذا:
أ. تقذفون بكُرة النار داخل حركة النهضة، وتقومون بتقوية الجناح الرافض للتوافقات المغشوشة، وتكون تلك حجة لكم على حسن النية وصدق المقصد وتكسبون في صفكم “الذباب الأزرق”.
ب. لا تظهرون بمظهر الباحث عن التعجيز الراغب في “ركشة المعارضة”.
ج. لا تظهرون بمظهر الباحث عن السلطة والذي يريد ان يسطو على نتائج المنافس.
د. لا تظهرون بمظهر الخارق للدستور في طلبكم بأن يكون رئيس الحكومة من خارج الحزب الأول أو في مناداتكم بحكومة الرئيس.
السؤال الثاني: اذا كان التيار لا يعمل مع النهضة لانها “موش نظيفة” ولا يعمل مع قلب تونس لأنه فاسد ولا يعمل مع تحيا لانه فاشل ولا يعمل مع عبير لانها تجمعية ولا يعمل مع ائتلاف الكرامة لأنه ظلامي. فهذا يعني انه لا يستطيع أن يحكم ولا يستطيع أن يعارض ايضا، لانه سوف يجد نفسه مضطرا للتحالف إما مع عبير او تحيا ليترأس لجنة المالية في المعارضة. اللهم ان يصنع لكم الشعب التونسي مقاعد مُعلّقة بين الحكم والمعارضة نسميها “مقاعد المنزلة بين المنزلتين” الحاصيلو أمر الله يقضيه الله.