بدعة التكنوقراط في السياسة بتونس..!!!
عبد اللّطيف درباله
في تونس فقط.. توجد شخصيّات وأحزاب سياسيّة.. تمارس السياسة لسنوات.. وتنظّم نشاطها وهياكلها.. وتقوم ببذل الجهود.. وتستثمر وقتها.. وتجمع الأنصار.. وتقدّم التضحيات.. وتصرف الأموال.. وتخوض الحملات الإنتخابيّة.. وتقدّم البرامج والوعود.. كلّ ذلك من أجل الفوز بالسّلطة..
فإن فازت بالسلطة.. أعطت تلك السّلطة.. جاهزة وعلى طبق من ذهب.. إلى رجال آخرين يسمّونهم عبثا “كفاءات”.. وبالفرنسيّة التونسيّة “تكنوقراط”.. لم يتعبوا من أجل تلك السّلطة المهداة.. ولم يقدّموا برامجا للناخبين.. ولم يلتزموا لهم بأيّ وعود.. ولا مسؤوليّة لهم اتّجاه الشعب.. ولم ينتخبهم الشّعب أصلا..!!!
بدعة الوزراء ورؤساء الحكومة المستقلّين التكنوقراط.. هي كذبة زائفة لا تقدّم أيّ حلول للدّولة.. وللشعوب..!!
فالدّولة تحتاج إلى سياسيّين أذكياء لديهم فكر للدولة.. ورؤية.. وبرامج.. وقدرة على القيادة (“Leadership”).. وليس قدرة على الإدارة (“Administration”)..!!
ودور الكفاءة أو “التكنوقراط” أو المختصّ أو الخبير أو الفنّي في مجال معيّن.. هو تطبيق تلك الرؤية.. وتلك البرامج.. وتلك السياسة المحدّدة..!!
يعني الدولة تحتاج إلى قادة سياسيّين.. يعملون مع مختصّين من أصحاب الخبرة والكفاءة في كامل المجالات.. لتحقيق سياستهم وبرامجهم ورؤيتهم..!!
تجربتنا الحديثة في تونس بعد الثّورة تدلّ دائما على فشل الكفاءات والتكنوقراط.. من الوزراء وهم بالعشرات.. إلى رؤساء الحكومة.. مثل مهدي جمعة.. والحبيب الصّيد..!!
في العالم.. فإنّ بناة الدّولة وصانعي نهضة الأمم في العصر الحديث كانوا سياسيّين بامتياز.. مثل لي كوان يو (سنغافورة).. وبارك جونغ هي (كوريا الجنوبيّة).. ودينغ شياو بينغ (الصين).. ومهاتير محمّد (ماليزيا).. ولولا دا سيلفا (البرازيل).. ومانموهان سينغ (الهند).. ورجب طيّب أردوغان (تركيا)..
تونس اليوم هي أيضا بدورها في مرحلة بناء وتأسيس جديد.. تماما كما كانت تلك الدّول الصّاعدة في بدايتها..
وتونس لا تحتاج والحالة تلك.. لا لمدير.. ولا لخبير إقتصادي.. ولا لمحاسب.. ولا لخبير مالي.. ولا لمسيّر.. ولا لمتصرّف.. ولا لإداريّ.. في رئاسة الحكومة..
وإنّما تحتاج بلادنا على العكس من ذلك إلى سياسيّ مميّز وقويّ وحالم وذكيّ وطموح.. ويملك قدرات قياديّة تؤهّله لتكوين وإدارة وتوجيه فريق عمل من محاسبين وإداريّين ومسيّرين وخبراء ماليّين واقتصاديّين ومديرين ومتصرّفين.. ومن كفاءات وتكنوقراط.. لبناء وتنفيذ وإدارة رؤية وبرامج يضعها ويبتكرها ويخطّط لها السياسيّون جيّدا..!!
لو كانت رئاسة الحكومات وحكم وإدارة الدّول تحتاج فعلا إلى تكنوقراط وكفاءات وتقنيّين وفنيّين.. لما كنّا في حاجة إلى إنتخابات.. ولوقع إختيار الحكّام عبر مناظرة بالملفّات والإمتحانات.. لمن هو أكثر كفاءة وعلما وخبرة..!!
ولكانت الولايات المتّحدة الأمريكيّة يحكمها أمثال بيل غايتس وستيف جوبس ووارن بيفيت ومن هم مثلهم..!!!
ثمّ أنّ التكنوقراط.. أو الشخصيّة المستقلّة التي ستقود الحكومة.. لن يكون لديها حسابات أو إلتزامات أو واجبات اتّجاه الشعب.. لكونها أصلا لا تمارس السياسة.. ولم تخض الإنتخابات.. ولم تقدّم برنامجا أو وعودا.. وتشعر بأنّها غير مدينة للشعب.. وإنّما مدينة فقط لمن عيّنها وأعطاها السّلطة والحكم..!!
هذا دون أن نخوض في ما يمكن أن يجلبه إغراء السّلطة من مطامع للشخصيّات المستقلّة.. فيتركون العمل الوطني البنّاء.. ويهتمّون بالمؤامرات والمناورات للإستيلاء على السّلطة من الأحزاب التي جاءت بهم..!!!
وهو ما يغرق البلاد في الحسابات والصراعات..!!!
وإذا ما كانت كلّ الحكومة مكوّنة من كفاءات مستقلّة إضافة إلى رئيس الحكومة.. فإنّ المشكل سيكون مضاعفا مرارا.. وبالتالي أكثر ضخامة..!!
أمّا إذا ما كانت حكومة الشخصيّة المستقلّة من التكنوقراط مكوّنة على العكس من وزراء سياسيّين كلّا أو بعضا.. يمثّلون الأحزاب المكوّنة للحكومة التي عيّنته.. فإنّ رئيس الحكومة المستقلّ لن يقدر على تسييرها لسبب بسيط جدّا.. وهو أنّه لا يملك صفة وسلطة القيادة للحكومة.. لكون الوزراء هم الذين يمثّلون الأحزاب التي عيّنته في منصب السلطة.. وهم من يملكون أيضا سلطة إقالته..!!
وبالتالي فإنّه سياسيّا وواقعيّا وعمليّا.. سيشعر رئيس الحكومة المستقلّ بأنّه هو الذي يقع تحت سلطة الوزراء من أعضاء حكومته.. وليس الوزراء المتحزّبين الممثّلين للإئتلاف الحاكم هم الذين يقعون تحت سلطة رئيس الحكومة المستقلّ التكنوقراط..!!!
وغنيّ عن القول بأنّه لا يمكن الحديث عن نجاح رئيس حكومة لا يملك أصلا سلطة فعليّة عليا على أعضاء حكومته.. ولا يملك القدرة على إدارة أعضاءها ومراقبة أعمالهم ومؤاخذتهم.. وحتّى عزلهم عند الإقتضاء..!!
فهل يمكن لفريق كرة قدم لا يخضع لاعبوه لسلطة المدرّب ولا يمكنه إختيارهم ولا إدارتهم ولا فرض الخطّة التكتيكيّة عليهم ولا تغييرهم ولا محاسبتهم ولا معاقبتهم.. أن ينجح ويفوز بالمباريات والبطولات..؟؟!!!
حتّى على إفتراض تكوين إئتلاف حكومي في تونس.. مكوّن من عدّة أحزاب.. فإنّه لا يجب تعيين رئيس حكومة مستقلّ من الكفاءات أو التكنوقراط.. وإنّما يجب البحث عن شخصيّة سياسيّة توافقيّة ذات خبرة لرئاسة الحكومة.. وتلك أخفّ الأضرار..!!!
هل تذكرون تلك الأغنية الشهيرة الساخرة في الفترة ما بعد الثورة.. عندما قام الشباب بالثورة.. فأخذ وزراء بن علي الحكم حتّى بعد 14 جانفي 2011.. والتي تقول كلماتها الشعبيّة “أوه عالبوهالي.. عمل ثورة وعطاهالي”..؟؟
السيّد رئيس الحكومة المستقلّ التكنوقراط.. الذي قد يعيّن مستقبلا.. سيقول في سرّه ضاحكا.. “أوه عالبوهاليّين.. عملو إنتخابات وأعطاوني الحكم”..!!!