حكومة الإبداع الثوري لمجتمع الشعب يريد
منذر بوهدي
تستأثر مسالة تشكيل الحكومة هذه الأيام باهتمام كل الفاعلين في الساحة السياسية التونسية خصوصا والرأي العام التونسي عموما، ورغم أن الزمن الدستوري لم يحل بعد للشروع رسميا في مفاوضات تشكيل هذه الحكومة “المرتقبة” وفق الضوابط الدستورية المعلومة زمنيا واجرائيا والتي تحدد آجال شهر منذ تكليف السيد رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة المقترح من الحزب الأول الفائز في الانتخابات التشريعية، فإن زخم اللقاءات التحضيرية بين الأحزاب المعنية نظريا بالمشاركة فيها، والمناكفات الفيسبوكية بين مناصري مختلف هذه الأحزاب، بدا لنا مركّبا ومعقدا ومكثّفا بالتوترات ومفعما بالضبابية حد العتمة احيانا وخلنا اننا امام استحالة تشكيلها او تكاد..
ولكن الاكيد ان كل هذا المشهد سيكون خلال الفترة المقبلة مختلفا شكلا ومضمونا، بعد أن يتم حسم مجالات المناورة والمراوغة وتحديد سقفها من خلال الإعلان عن شخصية رئيس الحكومة المكلف وانطلاق المفاوضات بأكثر جدية وواقعية وفق أهداف كل حزب من الأحزاب المعنية بالتفاوض إلى حد ينتهي معه الاستمرار في الحديث عن حكومة “الغنوشي” او “الرئيس” او “الكفاءات المستقلة” أو “الكفاءات الاقتصادية” في المطلق.. وسيكون لشخصية رئيس الحكومة المكلف إعلان واضح عن طبيعة الحكومة ونوعيتها وأهدافها وعمرها الافتراضي بعد استكمال هيكلتها وتركيبتها وأعضائها، ومن الممكن ان يكون مشروع برنامج الخمسون إجراء لحركة النهضة الذي اقترحته كأرضية للنقاش حول برنامج حكم للحكومة المنتظرة منطلق للنقاش والتطوير والتحسين أو ربما ستذهب الاحزاب الى الانطلاق من ورقة بيضاء لسحب البساط من تحت أقدامها وفرض مداخل ومنطلقات متحررة من كل توجيه او تصويب تريد من خلاله النهضة استعراض قدراتها في معرفة أروقة الحكم ودواليبه والتسريع بالذهاب إلى الإصلاحات التي تراها ضرورية لتحقيق أهداف مشروعها الخمس والمتعلقة أساسا بمحاربة الفقر والفساد واستكمال المؤسسات الدستورية وإنقاذ مؤسسات القطاع العام وقطاعي التعليم والصحة…
غير أنه بالمقابل هناك من يعتبر أن كل هذه المفردات والمسارات هي تكرار للفشل واستنزاف للجهد والوقت الثمينين، على حساب مصلحة البلاد العليا، ولا تعدو إلا أن تكون طعنات متجدده موجهة لضرب التغيير، واحتواء موجة ثورة الصناديق، وتطور الوعي الوطني، ومحاولة فاشلة من الجاثمين على مصالح هذا الشعب، لجلب الجميع الى مربع المناورة البليدة التي استهلكت واستنفذت وأصبحت من قبيل النوادر يسخر منها مروجوها قبل عامة الشعب الذي ردد شعار “الشعب يريد” شيء جديد ومختلف وابداع يظاهي حركاته الواعية من خلال حملات المقاطعة والنظافة الطوعية التي قام بها مؤخرا ويعيد للثورة بريقها وينير سبيل البلاد نحو الأفضل في الواقع المعيش في كل الجهات وبعيدا عن الشعارات والوعود الإخشيدية التي لم تعد تغني من جوع..
ولضمان أوفر حظوظ النجاح يتطلب التغيير الجذري أن تسود ذهنية مختلفة وابداعية لدى المفوضين والقائمين على مسالة تشكيل الحكومة من خلال التوافق على مجموعة أهداف محددة ومضبوطة تستجيب للتعبيرة الانتخابية للشعب التونسي وتجعل نجاح المرحلة سياسيا أهم منشط تشتغل عليه كأولوية مطلقة لأن المرحلة سياسية وفكرية بامتياز تستوجب استكمال مسار الثورة واستعادة الطبقات المهمشة والمفقرة لحقوقها كاملة (رفض الفتات)، على عكس ما يسعى البعض لترويجه بأن المرحلة ذات أولويات اقتصادية واجتماعية التي على الرغم من أهميتها وتداخلها وتكاملها مع المنشط السياسي والمشروع المجتمعي الجديد (مجتمع القانون) تضل في مرتبة ادنى من الاستحقاق السياسي..
لا شك ان الفساد والفقر يمثلان اولوية مطلقة لأي تشكيل حكومي آخذا بالاعتبار لرسالة الناخبين جميعا الى الطبقة السياسية خصوصا ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب استكمال المؤسسات الدستورية وإدخال التحويرات الضرورية عليه والتي تتطلب تملكا مجتمعياً واسعا وأغلبية برلمانية عددية أوسع بكثير من التي ستصادق على الحكومة وبل ربما تتطلب المرحلة الذهاب لإعادة الانتخابات أصلا !! حتى لا نضيع خمس سنوات اخرى على البناء المؤسساتي لتونس وحتى محاولات اشتغال الرئيس على مبادرات تحوير الدستور ستصدم ايضا بهذه الإشكاليات أو أن أصحاب الحصانة البرلمانية ستترصد باستمرار مسار محاربة الفساد وتطوير الاقتصاد والقضاء على الفقر وتعطله بما يجعل البلاد على حافة الانهيار إذا تواصل التعنت لفترة طويلة قد تعصف بالجميع…