الثلاثاء 1 يوليو 2025
عبد-اللّطيف-درباله
محامي وكاتب تونسي

النّهضة تقترب من النّصاب لتكوين الحكومة

عبد اللّطيف درباله

النّهضة تقترب من تكوين النّصاب لحكومة قد تكون برئاسة راشد الغنّوشي.. وبدون التيّار الديمقراطي وحركة الشعب..!!

وفقا لما يتوفّر من معلومات ومعطيات وأخبار وتسريبات.. فإنّ حركة النّهضة كوّنت على الأرجح نصابا قانونيّا لنيل الثّقة على حكومتها الساعية لتكوينها.. بما قد يفوق 130 صوتا.. وذلك حتّى دون الحاجة إلى إدماج “التيّار الديمقراطي” و”حركة الشعب” فيها..!!

وقد تتكوّن حكومة النهضة أساسا من إئتلاف الكرامة ومن تحيا تونس.. ومن أحزاب أخرى صغيرة تضمّ أقلّ من خمس مقاعد.. ومن مجموعة من المستقلّين قد يكون فاق عددهم حتّى الآن العشرة نواب استطاعت الحركة إستقطابهم لدعم حكومتها..!!

النهضة أصبحت تنظر بعين الرّيبة إلى كلّ من التيّار الديمقراطي وحركة الشعب.. وتعتبر أنّ موقفهما منها يتجاوز الخلافات السياسيّة العميقة والفارقة.. إلى نظرة إيديولوجيّة إقصائيّة.. حتّى أنّ بعض قيادات النّهضة أصبحت تعتبر التيّار وحركة الشعب في نفس “الخطّ السياسي” لحزب عبير موسي الدستوري الحرّ..!!
وتصف النّهضة في عمومها اليوم.. سواء على مستوى القواعد أو القيادات.. طلبات وشروط التيّار وحركة الشعب للموافقة على الدّخول معها في الحكومة بأنّها مجحفة ومشطّة.. وتصنّفها ضمن “الإبتزاز السياسي”.. من حزبين لا يملكان أكثر من نصف مقاعدها في المجلس.. وحصل كلّ منهما على أقلّ من 7 بالمائة فقط من أصوات الشعب..!!
وتعتبر النّهضة بأنّ الموافقة على طلبات كلّ من التيّار وحركة الشعب على فرض جانب كبير من برنامج الحكومة بمعرفتهما.. وتكليف رئيس حكومة غير منتمي إلى النّهضة.. وطلب بعض وزارات السيادة الكبرى والمؤثّرة مثل الداخليّة والعدل والإصلاح الإداري.. هو إفراغ لحكومة النهضة من أيّ نفس نهضوي.. وإبعادها عن قيادتها.. بل وتهميشها في التركيبة الحكوميّة الجديدة.. برغم أنّ الدستور يعطيها حقّ قيادة الإئتلاف الحاكم..!!

لذلك ترى النهضة أنّ الإستجابة لشروط التيّار وحركة الشعب معناه سلبها حقّها الدستوري.. وتحويل الحكومة من “حكومة إئتلاف بقيادة النّهضة”.. إلى “حكومة تشاركيّة بهيمنة التيّار وحركة الشعب”..!!!!

إضافة إلى ذلك.. فإنّ النّهضة متوجّسة من طلب التيّار وحركة الشعب عدم إدخال إئتلاف الكرامة في الإئتلاف الحكومي.. في حين أنّ الإئتلاف هو أقرب إليها من حيث الطبيعة والتوجّه السياسي.. وأنّ الإئتلاف بقيادة سيف الدّين مخلوف اعترف للنّهضة بحقّها في رئاسة الحكومة.. وبحقّها بتعيين أحد قياداتها كرئيس للحكومة وفق الدّستور.. في حين أنكرته عليها حركة الشعب والتيّار..!!
وهو ما يجعل النّهضة تفكّر في أنّ إقصاء وإبعاد كتلة برلمانيّة قريبة منها ومعترفة لها بحقّها في قيادة الحكومة.. مثل إئتلاف الكرامة.. مقابل محاولة إستقطاب كتل برلمانيّة بعيدة عنها لا تعترف لها بذلك الحقّ.. وترفض الحركة ضمنيّا.. وقد تدخل في خلاف سياسي عميق وحادّ معها في أيّ وقت.. مثل حركة الشعب والتيّار الديمقراطي.. قد يكون عمليّة غير عقلانيّة.. ولا آمنة سياسيّا..!!
خاصّة وأنّ الفارق في عدد المقاعد بين كتلة إئتلاف الكرامة من جهة.. وبين كتلة التيّار وحركة الشعب معا من جهة ثانية.. قد تبلغ حوالي 15 نائبا فقط.. تعتقد النّهضة أنّه يمكن لها تأمينها بطرق أخرى سواء من المستقلّين أو من غيرهم.. وتجنيب نفسها المفاجآت غير السارّة والمخاطر مع التيّار وحركة الشعب..!!

إلاّ أنّ مشكلة النّهضة تبقى أساسا عدم وجود شركاء أقوياء معها ملتزمين ضمن الإئتلاف الحكومي..
ممّا سيضطرّها في كلّ مرّة إلى حشد التأييد.. والدّخول في مفاوضات مجهدة وعسيرة وباهظة التكلفة سياسيّا.. من أجل تمرير أيّ قرار أو قانون في مجلس نواب الشعب..!!
وهو ما سيعرقل تنفيذها لسياستها..
وقد يؤدّي في النهاية إلى تعطّلها وتعثّرها.. وإلى فشلها في تحقيق أيّ إنجازات تذكر.. بما قد يسرّع ربّما في سقوطها..!!

الظّاهر أنّ الحلّ المناسب للنهضة.. والذي توجد الآن مؤشّرات قويّة على أنّ الإتّفاق في شأنه بلغ أشواطا متقدّمة.. هو الدّخول في تحالف مصالح غير معلن مع حزب قلب تونس..!!
ويعني ذلك أن يقوم حزب نبيل القروي ليس فقط بالمصادقة على حكومة النّهضة لنيل الثقة.. وإنّما أيضا لدعمها لاحقا في العمل النيابي وتنفيذ سياستها.. دون الدّخول معها في الحكومة.. بل وبالبقاء المعلن في المعارضة..!!
وهو الأمر الذي عبّر عنه نبيل القروي صراحة في خطاب توجّه به إلى نواب حزبه في إجتماع مؤخّرا.. وأفادت به بعض التصريحات الإعلاميّة المتناثرة.. وتسرّب من كواليس المفاوضات..!!
وتبدو هذه الصفقة بين قلب تونس وحركة النهضة مجزية للطرفين..!!
فالنهضة يمكنها أن تضمن تكوين الحكومة ونيل الثقة عليها.. وتأمين حزام سياسي مريح لتنفيذ سياستها لاحقا دون صعوبات كبيرة..!!
ونبيل القروي يمكنه في المقابل أن يبقى في المعارضة المعلنة.. ويستفيد من أخطاء الحكومة إن فشلت..
أو يستفيد حتّى من نجاح حكومة النهضة.. بإظهار أنّه كان سندا لها في القرارات والقوانين التي أفادت الشعب التونسي.. مترفّعين عن وضع العصا في العجلة لأغراض سياسيّة فقط لكونهم حزب معارض للحكومة..!!
هذا دون نسيان أنّ نبيل القروي يسعى أيضا لمهادنة الحكومة القادمة وعدم تأليبها ضدّه.. مخافة تحريك ملفّاته المتراكمة.. معتبرا في حساباته أنّ موقفه الإيجابيّ يمكن أن يحافظ على كتلته النيابيّة من التفتّت.. ويحفظ حزبه من الإندثار.. ويعطيه سنوات عمل ثمينة لتقوية حزبه ومزيد الإنتشار والإستعداد للإنتخابات القادمة..!!!

إلاّ أنّ إقدام النّهضة على هذا الخيار.. يعني أنّها من جهة ستعاود حكم البلاد مع يوسف الشاهد.. بعد تجربة سابقة في إدارة نفس ذلك الحكم دامت ثلاثة سنوات.. وانتهت بفشل ذريع.. وبأزمة إقتصاديّة خانقة.. وبتردّي سياسي.. بما سيعكس عدم القيام بأيّ تغيير يذكر مستقبلا.. ما عدا تطعيم الحكومة اليوم بمشاركة إئتلاف الكرامة..!!
ويعني من جهة أخرى.. أنّ وعود النّهضة القاطعة لناخبيها وللرأي العام.. بعدم التحالف مع نبيل القروي وحزبه قلب تونس.. ستذهب أدراج الرياح.. لأنّ المساندة هي تحالف سياسي مقنّع.. حتّى ولو بدون الدّخول في الحكومة..!!

غير أنّ هذه المعادلات جميعها.. بعدم الخضوع للشروط المجحفة للتيّار الديمقراطي ولحركة الشعب.. والتعويل عوضا عنها على أحزاب أخرى كبيرة وصغيرة وعلى مستقلّين.. قد تفتح الطّريق في المقابل.. ليس فقط لرئاسة حركة النّهضة للحكومة.. وإنّما بالذات إلى أن يصبح زعيم النّهضة راشد الغنّوشي رئيس الحكومة المقبل.. باعتبار أنّ إئتلاف الكرامة وأحزاب تحيا تونس وقلب تونس وبعض الآخرين.. لا يعارضون من حيث المبدأ تولّي الغنّوشي شخصيّا رئاسة الحكومة..!!

من المعلوم بأنّ مجلس شورى حركة النّهضة قرّر بأن يكون أحد قياديّي النهضة حصرا هو رئيس حكومتها..
وبالنّظر إلى القانون الداخلي للحركة فإنّ رئيسها.. أي راشد الغنّوشي.. هو المرشّح الطبيعي لرئاسة الحكومة.. إلاّ إذ تخلّى تلقائيّا عن ذلك الحقّ.. ورشّح شخصا آخر عوضه.. وعرضه على تصويت مجلس شورى الحركة..
والعارفين ببواطن الأمور في النّهضة.. هم على علم بأنّ تولّي راشد الغنّوشي لمنصب رسميّ رفيع ينهي به مشواره السياسي الطويل.. هي رغبة ملحّة تراود الرجل العامل في السياسة منذ نصف قرن..
وأنّه في ما عدا إستحالة واقعيّة لإمساكه بذلك المنصب.. مثل عدم القدرة داخليّا على تكوين الحكومة برئاسته.. أو فيتو قاطع من قوّة خارجيّة عظمى مؤثّرة في تونس..
فإنّ الغنّوشي قد يكون في طريق مفتوح فعلا لرئاسة الحكومة..!!
خاصّة وأنّ الكثير من القوى الدوليّة والإقليميّة لا تعارض ذلك صراحة.. وإن كان بعضها ليس متحمّسا للأمر..!!
وباعتبار جميع الشركاء والداعمين السياسيّين المفترضين لحكومة النّهضة المرتقبة الذين وقع جسّ نبضهم حتّى اليوم.. لا يعارضون أن يصبح الشيخ رئيسا للحكومة القادمة.. في ما عدا التيّار الديمقراطي وحركة الشعب..!!!


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

سامي براهم

“دولة الشعب أم شعب الدّولة”

سامي براهم  ربطت عدد من الدّراسات ظهور “الإسلام السياسي” بسقوط الخلافة الإسلامية وحلم استعادتها، وربطه …

سامي براهم

تحولات “الإسلام السياسي” في تونس من خلال وثائق تقييمية

سامي براهم  تهدف هذه الورقة إلى دراسة المراحل التي مرَّ بها التيار الإسلامي في تونس …

اترك تعليق