أفكار حول الإرهاب وأسباب الفشل في فهمه ومقاومته
عادل بن عبد الله
يجب أن نفهم أن أغلب من يتحدثون عن مقاومة الإرهاب يعتبرون بقاءه بل تضخيمه وتوظيفه جزءا من علة وجودهم ذاتها. فوجودهم مرتبط وظيفيا بتغذية الانقسامات المجتمعية وحرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية للمواطن وتأييد الصراعات الهووية خدمةً للمافيات الحاكمة من وراء الستار. ولذلك فإنهم يسعون الى التعتيم على اسبابه الحقيقية ويمنعون بناء استراتيجية وطنية فعالة لمقاومته.
فأغلب أدعياء الحداثة والتقدمية لا يستطيعون تمرير أجنداتهم السياسية إلا باستهداف النهضة عبر اتهامها بالوقوف وراء الارهاب او على الاقل بتوفير الظروف الملائمة له خلال فترة الترويكا. وبالطبع ينسى هؤلاء -او يتناسون عمدا- أن العفو التشريعي العام الذي استفاد منه التكفيريون كان قبل فترة الترويكا ونتيجة إجماع وطني عابر للايديولوجيات، وينسون أن المؤتمر الأول لتنظيم “أنصار الشريعة” كان خلال فترة رئاسة الباجي قائد السبسي للحكومة، وينسون فوق ذلك أهم شيء: عرفت تونس أكثر من عملية ارهابية خلال حكم المخلوع ذاته بل عرفت “تصدير الارهاب” في اطار الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا (عملية الكنيس اليهودي بجربة، عملية بأحد المراكز الامنية الحدودية، تصدير الارهابيين الى افغانستان والبلقان وغيرهما -من أرسل “أبا عياض” وغيره من قيادات “أنصار الشريعة” الى “الجهاد المعولم” ومن قبل بعودتهم وعدم استثنائهم من العفو التشريعي العام؟-).
كما ينسى اغلب أشباه الخبراء ومرتزقة الاعلام و”مناضلي” الشعب الترابية والمهنية أن الارهابيين جميعهم هم من الشبان التونسيين الذين تتجاوز أعمارهم العشرين سنة، أي أن تطرفهم هو مظهر من مظاهر فشل سياسات نظام المخلوع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا وثقافيا وتربويا، بل يمكننا القول ان التطرف الديني -الذي تحول إلى إرهاب موجه ضد الدولة- هو في جوهره نتيجة حتمية لسياسات العلمنة القسرية والفوقية للمجتمع، ونتيجة سياسات تجفيف منابع التدين التي تحولت الى محاربة علنية للدين ذاته (يكفي أن تلبس المرأة الحجاب أو يكون للشاب لحية أو أن يحافظ على صلاته في المسجد، بل يكفي أن تكون تحيته “السلام عليكم” حتى يصبح “مشبوها” او “خوانجيا” ويصبح موضوع متابعة امنية او حتى موضوعا للفرز الأمني والنبذ الاجتماعي الناتج عن مخاوف اغلبها مشروعة في دولة استبدادية-.
مختصر القول: مادامت الدولة تحتكر الخطاب الديني بصورة لا تعبر عن قناعات اغلب المواطنين ولا توفر لهم “الإشباع النفسي” الضروري، ومادامت الحكومة تعيد إنتاج منظومة الفساد والاستبداد (وتحمي قاعدتها الجهوية الزبونية ذاتها وتمنع محاسبتها)، ومادامت النخب الحداثية تظهر في صورة المحارب للهوية الجماعية وللدين -وليس فقط للاسلام السياسي-، ومادمت ترفض القيام بنقد ذاتي ولا تعترف بحق الاسلاميين في الاختلاف الفكري والسلوكي ضمن اطار الدستور، ومادام الكثير من الاسلاميين لا يفهمون الفرق بين “الجماعة الايمانية” و”المجموعة الوطنية” ولا يتحركون من منظور مبدئي للمواطنة وحقوق الانسان (وهو منظور يحتاج إلى مراجعات عميقة في فهم الشريعة والقانون وطبيعة العلاقة بينهما في المستوى التشريعي)، ومادام الاعلاميون مجرد “ملحق وظيفي بالبوليس السياسي” فلا يفرقون بين التحقيق الصحفي والتحقيق الامني، ومادام السياسيون يرفضون “الكلمة السواء” والمشترك المواطني الذي يجد الجميع فيه جزءا من مصالحهم المادية والرمزية (في اطار مشروع وطني جامع)، فإن الحديث عن مقاومة الإرهاب ستبقى مجرد حديث مرسل لا محصول له واقعيا.