عندما تكشف الثورة عن المتنكّرين لنهجها
منجي المازني
الجماهير تنحاز للخط الثوري
في قراءة سريعة لتقاطعات نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية نستشفّ الرسائل التالية :
1. أن الشعب منقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم مع الثورة وقسم مع الثورة المضادّة وقسم يتأرجح بين المنزلتين. فلا هو ضدّ الثورة ولا هو معها قلبا وقالبا. وهذا القسم يمثّل الأغلبية الصامتة التي لم تدل بأصواتها في الانتخابات. حيث تشير النتائج إلى أنّ نصف المسجّلين لم ينتخبوا لا في الرئاسية ولا في التشريعية. في حين انقسم النصف الثاني إلى منحاز لخطّ الثورة (النهضة – ائتلاف الكرامة – التيار الديمقراطي – حركة الشعب – حزب الرحمة – تيار المحبّة – أمل وعمل – عديد المستقلين) بأكثر من 120 مقعد (%60). وآخر منحاز لخط الاستبداد والفساد والاستعباد (قلب تونس – الحر الدستوري – نداء تونس – مشروع تونس – آفاق تونس – عيش تونسي – الجبهة الشعبية) بما لا يقل عن 70 مقعد (40%). وهذه الأرقام تبيّن وتثبت أنّ الجماهير انحازت بصفة واضحة وجلية إلى الخط والمدّ الثوري.
2. أنّ الجماهير الثورية تساند وتدعّم الأحزاب الثورية بحسب أدائها السياسي. فإن قصّرت هذه الأخيرة في أدائها قصّرت معها هذه الجماهير في المساندة والدعم. وهو ما يستشفّ منه أنّ الأنصار بصدد مراقبة أداء أحزابها بانتظام. وأنّها غير مستعدّة لتسليمها صكّ على بياض. وليس أدلّ على ذلك من تراجع حركة النهضة في الرئاسية (الدورة الأولى) إلى حدود 450 ألف صوت ثمّ استعادت المبادرة بحوالي 570 ألف صوت في التشريعية وتحصّلت على المرتبة الأولى وذلك عندما استوعبت جيدا الرسالة واستعادت من جديد الخطاب الثوري الذي ألفناه عنها. وهذا يجرّنا للحديث عن السياسة الإعلامية وفن التواصل مع الجماهير بصفة عامّة والأنصار بصفة خاصّة. فكلّ تقصير في هذا المجال وكلّ منحى في اتجاه رسم مشهد ضبابي يؤدّي بالنتيجة إلى تراجع للالتفاف الجماهيري وربّما يتطوّر إلى الانفضاض والسخط.
3. هناك أحزاب ثورية. بمعنى أنّ جماهيرها وأنصارها ثوريون ولكن رؤساءها وقادتها غامضون. ولا يعرف إلى حد الآن ما إذا كانوا فعلا ثوريين أم أم ثورجيين ؟ ولقد حان الوقت لتكشف الثورة عن وجوههم الحقيقية وستسقط أقنعتهم. ففي بداية الثورة كشفت هذه الأخيرة عن الوجه الحقيقي لـ”الثوري” نجيب الشابي حيث أكّدت أنّه لا يزيد عن كونه ثورجي يظهر للناس بوجه ثوري. وعاقبه أنصاره بأن أعطوه صفرا في الامتحان الانتخابي. وفي اعتصام الرحيل انحاز مصطفى بن جعفر إلى المتمردين على الثورة وأمر بإيقاف نشاط المجلس التأسيسي (سكّر الباب وهرب بالمفاتح). فعاقبه أنصاره قبل غيرهم بأن تفرّقوا عنه وتركوه وحيدا بصفر مقاعد في انتخابات 2014. وهو ما حصل للجبهة الشعبية وأصحاب الفكر اليساري المتطرّف. فهم منذ أن تشكّلوا في أحزاب وهم ينظّرون للثورة ولمحاربة الاستبداد. إلاّ أنّهم في أول امتحان لهم بعد الثورة سقطوا فيه حيث تحالفوا مع الاستبداد وأكلوا مع رموزه الروز بالفاكية في اعتصام الرحيل. فعاقبهم الشعب ولو بعد حين بأن لفظهم جملة وتفصيلا.
وفي هذه الأيام يخرج علينا السيد محمد عبّو رئيس التيار الديمقراطي (المتحصّل على 22 مقعد في التشريعية) ويصرّح بأنّه سيختار المعارضة. ثمّ ما لبث أن ظهر في إعلام العار وصرّح بأنّه لن يدخل الحكومة إلاّ إذا تحصّل على حقيبة الداخلية والعدل والوظيفة العمومية واشترط في ذات الوقت أن تسند رئاسة الحكومة لشخصية مستقلة ؟ ثمّ أضاف: أنا أريد الإصلاح والمضي في طريق الإصلاح ؟ وكأنّ الإصلاح متوقّف عليه هو دون غيره وكلّ ما سواه متّهم بمعاداة الإصلاح ؟ لقد استقال السيد محمد عبّو من حكومة الترويكا بدعوى أنّ الترويكا والنهضة تحديدا لم تطلق يديه في عملية الإصلاح ولم تتركه ينفّذ برنامجه الإصلاحي ؟ وبقي إلى يوم النّاس هذا بدون عمل وبدون أخطاء. ومن لا يعمل لا يخطئ. وعوض أن يلتزم الصمت أخذ يكيل التهم لحركة النهضة من قبيل اتهامها بالتحالف مع نظام الاستبداد والسكوت عن عديد مظاهر الفساد. ولكن لا يستطيع السيد محمّد عبّو أن يذهب في هذه الخطّة إلى ما لا نهاية. فلا بدّ وأن يأتي يوم ينكشف فيه وتظهر حقيقته. فإمّا أن يدخل في حكومة الثورة بتواضع واحترام ويثبت بذلك أنّه أهل لذلك. أو أنّه سيختار المعارضة وعند ذلك سيختار طريق الانتحار السياسي (الذي سلكه كل من نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر وأصحاب الجبهة الشعبية). لأنّ أنصاره اختاروه لأن يكون في خانة الثورة والثوار وليس في خانة المعارضة وخانة الفساد والاستبداد وخانة نبيل القروي وعبير موسي. وفي هذه الحالة ستلتجئ البلاد إلى انتخابات سابقة لأوانها ولن يجني منها محمد عبو إلاّ صفرا وعند ذلك لن ينفعه أن يقول “غلطوني”.