حفريات
محمد بن نصر
بين الإسلاميين والعدالة الإجتماعية عقدة فكرية وعقدة إيديولوجية. عقدة فكرية: العدالة الإجتماعية وإن كانت مطلبا دينيا لا نقاش فيه فإن الإرث الفقهي لم يعالج مسألة التفاوت الإجتماعي وفق نظام إجتماعي متكامل ولكن في أغلب الأحيان عالجها بترسانة أخلاقية محورها الإحسان الفردي (الصدقات) أو الإحسان الإجتماعي الواجب(الزكاة) وهذه الإجراءات في أحسن أحوالها لا تستطيع أن تقدم أكثر من معالجة ظرفية تخفف بها آلام المستضعفين ولكنها لا تستطيع تعالجها من جذورها.
عقدة إيديولوجية باعتبار أن أكثر من حاول تقديم معالجات نظرية متكاملة أغلبهم من خرّيجي المدرسة الماركسية وأول ما يقفز إلى أذهانهم عند ذكر الماركسية تجارب الأنظمة الإشتراكبة التي خلّفت وراءها مجازر غير مسبوقة ضد المسلمين. أضف إلي ذلك الحقد الأيديولوجي التي يبديه ضدهم اليسار وخاصة في شقه الأيديولوجي. كل ذلك جعل بينهم وبين الفكر الإشتراكي حاجزا سميكا منعهم من الإستفادة منه لبناء نظام إجتماعي لحل مشكلة التفاوت الإجتماعي.
حتى عندما جاء من لا يشكون في تدينه بل أكثر منهم جرأة وحماسا في الدفاع عن تعاليم الإسلام وأحكامه كبكب فريق منهم وتردد في دعمه بدعوى أن مدير حملته يساري شهر لينين. وهي لعمري حيلة شيطانية حبكها من يعرف عمق المزاج الإسلامي. يكفي أن نجد شخصا من بين مئات الأشخاص المحيطين بقيس سعيد يُكنى لينين حتى تكون حاجزا نفسيا ضد الرحل فأصبح شخصا غامضا يحمل مشروعا استئصاليا ثم حيكت في المخيال الشعبي أساطير حوله حتى تجمّع فيه ما تفرق في غيره من المساوئ. كم هي مؤثرة قاعدة التأويل التي تحدث عنها يوما أستاذي أبو يعرب وكان قد أستخدمها حينها في الإتجاه الصحيح.
كيف يمكن أن نغير قاعدة تأويل بنيت على وهن وأريد بها باطل، ذلك من أعقد المعضلات التي تواجه العقول الحصيفة.